عكس مضمون خطاب القائد العسكري للمنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي يهودا فوكس، الصراع بين الإدارة المدنية التابعة للجيش والمستوى السياسي بالحكومة، ممثلا بالوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي منح صلاحيات مدنية للحاكم العسكري للضفة، كجزء من اتفاقيات تشكيل الحكومة اليمينة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو.
وانتقد فوكس، المكلف بالتدابير الأمنية والعسكرية في الضفة الغربية، الجرائم التي تنفذها عصابات المستوطنين في الضفة، والصمت الحكومي الرسمي حيال تصاعدها خلال فترة الحرب على غزة، وحصول المستوطنين على دعم غير مسبوق من قبل سموتريتش المسؤول عن الشؤون المدنية بالحكم العسكري للضفة.
واعتزل فوكس الحياة العسكرية وصعّد من انتقاداته العلنية للمستوطنين المحسوبين على تيار “الصهيونية الدينية”، في وقت يواصل سموتريتش مساعيه لتجريد الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال من صلاحياتها، وتركها فارغة من المحتوى، ضمن خطته المعلنة تحت اسم “الحسم”، والتي تسعى لضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية.
خلافات خفيّة
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصراع الذي يخوضه سموتريتش لإحكام سيطرته على الضفة الغربية من خلال الخلافات الخفية داخل الإدارة المدنية، واعتبرت أن هذه الخلافات تعكس إصرار الوزير على تنفيذ خطته.
واستعرضت الصحيفة كواليس الخلافات بين سموتريتش والمقدم هشام إبراهيم، الذي تولى مؤخراً منصب رئيس الإدارة المدنية، حيث اصطدم مع الوزير بعد أن عيّن المستوطن هيليل روث نائباً عنه في الإدارة المدنية، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها شخص مدني هذا المنصب منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967.
وتفاقمت الخلافات داخل الإدارة المدنية بعد تسريب تسجيلات منسوبة إلى رئيسها الذي كثّف محادثاته مع المسؤولين العسكريين مع تسلّم مندوب سموتريتش منصبه في إجراء يهدف إلى وضع عمل الإدارة المدنية تحت قيادته.
وأظهر مضمون المحادثات التي وثقتها التسجيلات، أن سموتريتش يسعى إلى سحب صلاحيات الإدارة المدنية وإفراغها من مضمونها، تمهيداً لنقلها إلى المسؤول الجديد الذي يمثله.
ويقول رئيس الإدارة المدنية في المحادثة المسجلة إن “الإدارة المدنية موجودة لتبقى، والحياة مستحيلة بدونها، لا للسكان الفلسطينيين ولا للمستوطنين”. واعتبر أنها الوحيدة القادرة على تمكين الاستيطان وخدمة الفلسطينيين، ولن يتم تفريغها من صلاحياتها.
تعيينات جديدة
جاءت التعيينات الجديدة في الإدارة المدنية ضمن خطة سموتريتش الهادفة إلى ضم الضفة الغربية عن طريق تغيير الواقع وفرض وقائع جديدة على الأرض، دون إصدار قرار رسمي بالضم، بحسب المختص بالشؤون العسكرية والاستخباراتية رونين بيرغمان، الذي أوضح أن التغييرات التي نفذها سموتريتش تتناقض بشكل صارخ مع موقف جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، والقيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، اللذين يعتبران أن ما يحدث في الضفة له عواقب أمنية تضر بالاستقرار.
وأشار بيرغمان إلى أنه يتم التعامل مع الإدارة المدنية بهذه المرحلة من منظور انتقالها إلى مكتب سموتريتش الذي يدفع نحو إقامة المزيد من المزارع والبؤر الاستيطانية غير القانونية على أراضي الفلسطينيين، مما قد سيجر المنطقة إلى تصعيد أمني.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن شخصيات مقربة من “الصهيونية الدينية” أكدت أن روث الذي ينوب عن الوزير سموتريتش بالإدارة المدنية، يخضع مباشرة إلى “مديرية التنظيم والبناء وتبييض الاستيطان” التي أنشأها الوزير، وحظيت بدعم المستوى السياسي بحكومة نتنياهو.
وأشارت إلى أن هذا التعيين ينسجم مع خطة ضم الضفة للسيادة الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه سموتريتش بقوله “هناك نائب مدني لرئيس الإدارة المدنية، وهو موظف بوزارة الدفاع، وليس تابعاً لقيادة الجيش ويتمتع بكافة الصلاحيات التي تتعلق بإدارة الأمور اليومية في الضفة”.
تحذيرات أمنية
لفتت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن كبار الضباط بالجيش الإسرائيلي يعتبرون نقل الصلاحيات من الإدارة المدنية إلى سموتريتش أو من ينوب عنه، بمثابة ضم حقيقي للضفة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.
وأشارت إلى أن الوثيقة السرية التي صاغها يهودا فوكس ووجهها إلى كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي قبل إعلانه التنحي عن منصبه، حذّرت من تفريغ الإدارة المدنية من صلاحياتها، ومن إضعاف السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، وأكدت أن ما يحدث فيها من أعمال تستهدف الفلسطينيين يشكل خطراً على بقاء إسرائيل.
وقال فوكس في وثيقته “إن قدرة الجيش على الدفاع عن إسرائيل وسكانها مرتبطة بوجود سلطة فلسطينية قوية وقادرة على العمل ولديها أجهزة أمنية فعالة”.
وأكد أن تقويض الواقع الأمني بشكل استباقي في هذه الساحة يعرّض أمن إسرائيل للخطر.
ولفتت الصحيفة إلى أن سموتريتش يسحب صلاحيات واسعة من الإدارة المدنية ويدفع السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار، ويشجع الفلسطينيين على الهجرة، وهي الإجراءات التي تنذر بتصعيد أمني غير مسبوق في الضفة.