لكل السوريين

المدارس الخاصة.. أسعار فلكية وخدمات معدومة

تقرير/ أ ـ ن

يعتقد الاهالي أن صك التفوق يصبح قاب قوسين أو أدنى لمجرد ورود أسماء أبنائهم في سجلات المدارس الخاصة، برغم ارتفاع أقساطها ووصولها إلى أرقام خيالية وجنونية تجاوزت معه السقف الذي حددته وزارة التربية بقراراتها وبلاغاتها الصادرة بهذا الشأن، وتتباهى العائلات بذلك ونجدهم يدفعون ثمن تكاليف الحصص الترفيهية ووسائل النقل وغيرها من الأمور التي لا علاقة لها بالمواد الدراسية، فكما هو معلوم للجميع أن من يدرس في المدارس العامة هو الشخص ذاته في المدارس الخاصة لكن مع كثير من العبارات التجميلية، وإن زاد في الشرح في الدروس والمناهج ذاتها فذلك يتبع للراتب المعطى له حسب صيت المدرسة التي يعمل فيها.

السيدة أم ناصر وهي أم لثلاثة أطفال، اثنان منهم في مدارس خاصة، واحد في المرحلة الابتدائية والثاني في المرحلة الثانوية، تدفع أكثر 3ملايين ليرة سنويا أقساط المدرستين، برغم وجود مدارس حكومية بالقرب من مكان إقامتهم، وعن سبب تفضيل المدرسة الخاصة على الحكومية برغم ارتفاع الأقساط قالت: السبب الرئيس هو جودة التعليم، أو على الأقل الجدية في التعليم التي صرنا نفتقدها، للأسف، في الكثير من المدارس الحكومية ، هناك إهمال كبير وواضح في المدارس، والمناهج لا يتم إنهاؤها على الأغلب، في العام الماضي كان ابني الكبير في مدرسة حكومية قبل أن أنقله إلى الخاصة، وعانينا كثيرا في بعض المواد واضطررنا للدورات الخاصة التي أنفقنا عليها مبالغ كبيرة، لذا قررنا نقله في العام التالي إلى مدرسة خاصة مجبرين وأوقفنا الدورات الخصوصية.

السيد حسان الذي يدفع مليون ونصف ليرة سنويا لمدرسة ابتدائية خاصة فيها ابنه في الصف الثالث، يقول: لست من أنصار المدارس الخاصة أبدا، لكنني من أنصار العلم والتعليم الصحيح، وهذا ما دفعني لإنفاق هذا المبلغ الكبير الذي أجبرني على التقشف لبقية العام، في العام الماضي كان ابني من طلاب إحدى المدارس الحكومية، وخلال العام الدراسي، تم تبديل مدرسته أربع مرات، واحدة أمومة، وواحدة نقل إلى محافظة أخرى، والبقية لأسباب مختلفة، وكلما اعتاد الطلبة مدرسة وبدؤوا بالتفاعل معها يتم تغييرها، وهذا يترك أثرا سلبيا على الطفل من الناحية التعليمية ومن الناحية النفسية أيضا، فما عاد ابني يحب المدرسة ويتذرع بأمور كثيرة ليتغيب، الأمر الذي دفعني إلى حسم الموضوع ونقله إلى مدرسة خاصة، ويضيف: المدرسة الخاصة أيضا كان فيها بعض التقصير فيما يخص إنهاء منهاج التعليم الحكومي، وكان التركيز على اللعب والترفيه أكثر.

السيدة فاتن مديرة إحدى المدارس قالت: إن ما تقدمه المدرس الخاصة وتفتقده المدارس الحكومية هو الذي يدفع الأهالي لإنفاق هذه المبالغ الكبيرة لتسجيل أبنائهم فيها، مثل موضوع الألعاب للصغار والتفاعل معهم بشكل كبير من قبل المعلمات، إضافة إلى الاهتمام الكبير بالمناهج التعليمية إن كان منهاج الدولة أو المناهج التي تضيفها المدارس وخاصة في مواد اللغات الأجنبية، كذلك موضوع التعاقد مع أطباء لإجراء فحص دوري لكل الطلبة، وطبعا هذا أمر لا تلتزم به كل المدارس الخاصة، وبعضها يكون تعاقدها مع الأطباء وهميا، وأن المدارس الخاصة تختلف فيما بينها أيضا، فمنها مدارس لا تلتزم بالمعايير المطلوبة ولا تقدم خدمات تعليمية ممتازة كما هو مفروض، لكن هذه المدارس تخسر طلبتها بعد عام دراسي واحد فقط.

السيدة أميرة مديرة مدرسة أخرى أكدت: أن هناك عدة أسباب للارتفاع الاقساط، أولها ارتفاع تكاليف ما تقدمه هذه المدارس للطلاب، فالمناهج الإضافية أسعارها مرتفعة جدا، إضافة إلى ما تتكفل به المدرسة من لباس متعدد ومتنوع، والقرطاسية التي تؤمنها المدرسة للطلبة على مدار العام بكل تفاصيلها من أقلام وألوان ودفاتر وغيرها، تضاف إلى ذلك المبالغ الكبيرة التي يطلبها أصحاب وسائل نقل الطلاب التي لا علاقة للمدرسة بتحديدها، وفوق كل هذا الإيجارات المرتفعة جدا، إذ إن صاحب العقار وبمجرد معرفته أن المستأجر يريد إنشاء مدرسة خاصة يزيد الأجرة ضعفين أو ثلاثة أضعاف، وبالنسبة للمدرسين والمدرسات أوضحت أن الأولوية للخريجين الجامعيين وحملة الدبلوم والماجستير، لكن هذا لا يعني استبعاد خريجي المعاهد، فمنهم من صارت لديه خبرة كبيرة في التدريس والتعامل مع الطلبة وخاصة في المراحل الأولى، وفي الكثير من المدارس الخاصة تتم متابعة النظريات التربوية الحديثة وتطبيقها، واستخدام التقنيات الحديثة في التعليم وتعريف الطلاب عليها لأنها صارت لغة العصر، كما تحرص هذه المدارس على التواصل الدائم مع الأهالي عبر دفاتر التواصل المخصصة لكل الطلاب ومجالس الأهالي التي تقام أكثر من مرة في العام، والمجموعات التي تنشأ على تطبيق: واتس اب لكل شعبة وتضم الأهالي وإدارة المدرسة وكادرها التعليمي.

السيد باسل وهو مدرس قال: يعيش مدرسو المدارس الخاصة معاناة حقيقية بسبب ضغط العمل المفروض عليهم من قبل إداراتهم، وحقوقهم الضائعة التي لا يسمح لهم بالمطالبة بها لكونهم يأخذون عوضا عنها راتبا عاليا مقارنة بمدرسي المدارس العامة، إضافة إلى أنهم لا يسلمون من متطلبات الأهالي الذين ينظرون إليهم وكأن أقساط المدرسة التي يدفعونها لأولادهم تذهب إلى جيوبهم.

الآنسة زينة  تعمل منذ 3 سنوات مدرسة للصف الأول في إحدى أشهر المدارس الخاصة في مدينة طرطوس، وبعقد عمل محدد بمدة 9 أشهر، حتى لا يشمل أشهر الصيف الثلاثة، على عكس مدرسي المدارس العامة الذين يتقاضون رواتبهم بشكل طبيعي خلال عطلة الصيف، معتبرة أن العمل في المدارس الخاصة له ميزاته من حيث التنظيم والنظافة والتعامل مع أعداد قليلة من الطلاب، والنشاطات التي تقدم للمدرسين من رحلات وحفلات وغيرها، والأهم الراتب الجيد والزيادات والحوافز التي تعطى بشكل مستمر للمدرسين في المناسبات، بينما السلبيات فتتمثل في أن ضغط العمل في المدارس الخاصة كبير وساعات الدوام طويلة، ودائما يوجد حجم عمل إضافي تفرضه الإدارة على المدرس وعلى الأغلب يكون من دون مقابل، والتشديد على الدوام وأي تأخير أو غياب هو غير مبرر في نظر القائمين فيها، وتضيف: نحن لا نعمل في المدارس الخاصة مدرسين فقط بل مرافقين للطلاب من لحظة خروجهم من منازلهم إلى حين عودتهم إليها، فوظيفتنا تشمل الوجود ومراقبة الطلاب خلال الحصص الدراسية، وفي الاستراحات وخلال النشاطات والتوجه من وإلى باصات النقل الخاصة بهم، وحتى بعد انتهاء الدوام نحن ملزمون بالتجاوب مع أهالي الطلاب ليل نهار.

السيد فايز مدرس مادة رياضيات يحمل شهادة دبلوم تأهيل تربوي، وله 8 سنوات من الخبرة قضاها في التدريس ضمن عدد من المدارس الخاصة، يقول: عانيت في بداية البحث عن عمل ضمن المدارس الخاصة من استغلال الإدارات ضمن الفترة التجريبية والمحددة من قبل وزارة التربية بثلاثة أشهر من دون عقد عمل وبراتب قليل، ومن ثم التخلي عن المدرس من قبل إدارة المدرسة والمجيء ببديل عنه حتى لا تكون المدرسة ملزمة بعقود عمل لجميع المدرسين لديها. وفي مدرسة أخرى وبعد مضي الثلاثة أشهر التجريبية تم رفع اسمه مع عدد من المدرسين من قبل إدارة المدرسة إلى وزارة التربية ليتم اعتمادهم مدرسين فيها وإبرام عقود عمل سنوية معهم، لكن الإدارة فرضت على المدرسين التوقيع على عقود استقالة غير محددة التاريخ، تستطيع من خلالها إنهاء عقد عملهم ومن دون أي سبب، وأكد أنه في الوقت الحالي ومع انتشار المدارس الخاصة، تسعى الأسماء اللامعة ذاتها منها للمحافظة على صيتها، وتتعامل مع المدرسين فيها بشكل أفضل، وتبرم معهم عقود عمل سنوية بشكل رسمي، وتعطي أولوية لأصحاب الدراسات العليا وذوي الخبرات، ومع ذلك في الكثير من الأحيان لا تجدد العقد للمدرس أكثر من عام بذريعة البحث عن خبرات متجددة تعود بالفائدة على المدرسة وطلابها.

أما بالنسبة للخدمات الأخرى التي تقدمها المؤسسات التعليمية الخاصة فهي تأمين وسائط المواصلات من وإلى المدرسة لضمان سلامة الطلبة، إضافة إلى الدوام الطويل الذي يناسب أولياء الأمور، وقلة أعداد الطلاب في الشعب الصفية لتمكين المعلمين من المتابعة، ووجود ميزات لدى بعض المؤسسات التعليمية الخاصة كالمسابح والملاعب المغلقة والوسائل التعليمية المتطورة اللوحات الذكية.