لكل السوريين

الملابس الجاهزة حكر على الأغنياء، والبالة لم تعد للفقراء

اللاذقية/ سلاف العلي

اكتنفت النفوس غمامة من القلق والترقب، إذ تحولت الأعياد باللاذقية وريفها إلى مرآة تعكس ويلات سنوات الحرب الطويلة، تسابق المواطنون مع الزمن والظروف، وسط موجة الغلاء الفاحشة التي طالت كل شيئ، بما فيها أسعار الملابس في أسواق اللاذقية ومدنها، وفي وقت يجد العديد من الأسر أنفسهم أمام خيارات محدودة، في واقع اقتصادي يزداد قسوة.

فرضت سوق الألبسة المستعملة البالة نفسها كخيار للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود بعد ارتفاع أسعار المنتج الوطني وعدم قدرة الغالبية على شرائه، ورغم أن الجهات الرسمية تقر بأن هذه الألبسة تدخل بطريقة غير نظامية وهي مخالفة، لكنها في واقع الأمر تكتسح الأسواق من دون حسيب أو رقيب، وأصبح كل من لديه رأسمال ويفكر بمشروع يوظفه في هذه التجارة الرائجة نظرا للأرباح التي تحققها.

ومع الارتفاع المتزايد لأسعار هذه الألبسة يمكن القول إن شريحة الدخل المحدود مهددة بالخروج منها، رغم أنها كانت الزبون الأول لفترة طويلة.

السيد أدهم وهو صاحب أحد محلات البالة باللاذقية يقول: أدفع شهريا6 ملايين ليرة ثمن إيجار المحل، وهناك فواتير مياه وكهرباء يجب دفعها، ولدي عمال، أدفع لهم أجورهم كل ذلك يؤدي لارتفاع سعر القطعة، هناك زبائن يدفعون ثمن القطعة مهما كان سعرها ومن دون نقاش وهم من شريحة ميسورة، أما أصحاب الدخل المحدود فهم يجادلون كثيرا لتخفيض السعر.

التفاوت المادي بين البشر موجود حتى في سوق المستعمل فالقطع داخل المحلات أسعارها مرتفعة ولها زبائنها الخاصة بينما يجد الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في بالة البسطات ضالتهم، لأن أسعارها أقل، فالقطع التي لا تباع داخل المحلات بعد فترة يكون مصيرها البسطات في الشوارع بأسعار أقل.

يشار الى أن الألبسة المستعملة البالة كانت في وقت من الأوقات الملجأ الوحيد للمواطن الفقير في ظل ارتفاع أسعار الألبسة الجديدة والوطنية، وتدني نوعيتها من حيث متانة الخيوط ونوع الأقمشة والأصبغة والإكسسوارات، بينما قفزت أسعارها في الأعوام الاخيرة بشكل كبير فأصبح الفقراء غير قادرين على شرائها.

هذه المنتجات تدخل تهريبا وتعرض في الأسواق بشكل علني على مرأى من الجهات الرسمية التي لا تحرك ساكنا، رغم المطالبة بشرعنتها وقوننتها  وان تدخل بفواتير نظامية وتحدد أسعارها وأرباحها، مثلها مثل أي مادة أخرى مستوردة، يجب حماية المستهلك الذي قد  يتعرض للغبن  فعندما يكتشف عيب بالسلعة لا يردها البائع له لعدم وجود أي مستند بأنه اشتراها منه وهناك خلافات كثيرة ومستمرة تحدث بين الطرفين، والحكومة لا توافق على شرعنة الألبسة المستعملة بحجة حماية المنتج الوطني، لكن الوطني أسعاره مرتفعة وجودته متواضعة، اليوم أصبحت الشرائح الميسورة زبائن لدى هذه الأسواق نظرا للأسعار المرتفعة، إذ يتجاوز سعر الحذاء الرياضي في بعض المحلات مليون ليرة، وأصبح البعض يطلق عليها تسمية بضاعة أوروبية مستوردة، ويلجأ باعتها إلى غسيل وكي القطع ووضع لصاقه عليها لإيهام الزبون بأنها جديدة وتباع بأسعار خيالية.

وأكد ضرورة مراقبتها من حيث خضوعها لعمليات التعقيم لأن هذه البضائع تسبب انتشار الأمراض، وضرورة تخصيص ساحات وأماكن خاصة لتداولها، فمن غير المعقول هذا الكم الهائل من البسطات التي تملأ الأرصفة وتشوه المنظر العام وتعرقل حركة المارة، مضيفا إنه في الدول المجاورة هناك أسواق خاصة بالبالة فيها كل شي (ستائر، أغطية طاولات شراشف، وغيرها الكثير من المستلزمات).

لكن البعض يرى أن قوننة دخول البالة بشكل نظامي له أثر سلبي على الصناعة الوطنية وانعكاسات لا تحمد على الجزء المتبقي من الصناعات النسيجية، وأن الأخطاء ذاتها ستحصل تحت مسمى دخول الألبسة المستعملة وسيتم دخول ألبسة ستوك، وسيتم اعتبارها ألبسة مستعملة وستؤثر بشكل كبير على هذه المنشآت وتؤدي الى توقفها، مما يفترض إعادة دراسة أسعار الألبسة الوطنية وأسباب ارتفاع أسعارها، و العمل على إيجاد تسهيلات للصناعيين لتخفيض اسعار الألبسة من خلال تخفيض أسعار الكهرباء واستيراد المواد الأولية، وحماية الصناعة الوطنية بدلا من استيراد البالة وضرب ما تبقى من الصناعة السورية، وتتجلى معاناة الأسر في مواجهة الأسعار المتصاعدة للأزياء، حيث تشهد الأسواق ارتفاعا حادا في تكلفة البدلات النسائية وملابس الأطفال، لتصل إلى أرقام تتحدى قدرات الشراء، تقدر البدلة النسائية بما يقارب الـ800 ألف ليرة الى المليون ليرة سورية ، وتتراوح أسعار ملابس الصغار حول الـ500 ألف الى ال 700 الف ليرة، مما يثقل كاهل العائلات، وأقل قميص نسائي يبلغ 400 ألف وكذلك البنطال، وملابس الأطفال ارتفعت أسعارها كثيرا، وبلغ سعر البنطال لطفل بعمر العشر سنوات نحو 250 ألفا وكذلك القمصان، وفي الأسواق الشعبية، يصل سعر البنطال الرجالي إلى 450 ألف ليرة، بينما يتجاوز في الوكالات الـ 700 ألف.

لقد وجد التجار السوريون أنفسهم أمام تحديات جمة بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الشحن وأسعار المازوت، مما أدى إلى مضاعفة أسعار الملابس في اللاذقية بشكل لافت. وفي ظل هذه الظروف، تفرض شروط صارمة على عمليات النقل، تتطلب دفعات مالية مسبقة، لضمان استمرارية الأعمال، ويضاف إلى ذلك، الزيادة المستمرة في تكلفة الكهرباء ، والتي تبرر بصعوبة تأمين المازوت وارتفاع أسعاره، مما يثقل كاهل التجار بفواتير تقدر بالملايين شهريا، وتمتد المشكلة إلى ارتفاع إيجارات المحلات التجارية، التي تشهد زيادات متواصلة تعزى إلى ارتفاع قيمة العقارات، لتصل تكلفة إيجار المحلات في الأسواق الرئيسية وشوارع الوكالات باللاذقية إلى مبالغ تتراوح بين مليار وخمسة مليارات ليرة، مما ينذر بتفاقم الطمع وتعقيد الوضع الاقتصادي للتجار والمستهلكين على حد سواء، علاوة على ذلك، ارتفاع الضرائب المفروضة على التجار من قبل المالية ومجلس المدينة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه، مما ألقى بثقله على كاهل العديد منهم، وبشكل خاص أصحاب المحلات الصغيرة الذين تكبدوا خسائر جسيمة.