لكل السوريين

استغلال المساعدات الإنسانية

مع تزايد أعداد السوريين المحتاجين خلال فترة الصراع الذي استمر حوالي عقد من الزمن، ما زالت الحكومة السورية تواصل استغلال المساعدات الإنسانية الدولية لمكافأة حلفائها، ما أثار الكثير من الجدل والانتقادات من حيث طريقة التعامل معها.

إن َّالحكومة السورية الآنية هي ذاتها الحكومة المسؤولة عن معاناة الملايين من السوريين، ونفي وتشريد وتهجير الملايين إلى غير رجعة، وإن إضافة المليارات من الدولارات كمساعدات للنظام الحالي لن تُنقذ سوريا، بل ستزيد من معاناة الشعب السوري، وسترسّخ بالتالي من دور الحكومة الفاعل، وهذا ما يعني زيادة حجم معاناة السوريين الذين هم بحاجة للمساعدات الإنسانية الدولية بصورة دورية.

وتقوم الحكومة السورية في تحويل القلق الدولي إزاء بؤس شعبها إلى تحقيق أرباح محققة، كما تقوم باختلاس المساعدات، وإعادة توجيهها لأغراض خاصة في المناطق التي تسيطر عليها ومن خلال التحكم في الوصول الدولي للمناطق التي لا تسيطر عليها، في ظل سعي المانحين لهذه المساعدات المتزايد لدعم تعافي سوريا، وهم يفعلون ذلك دون مراعاة للتقييمات والتقارير المتعدّدة التي تتحدث عن التلاعب الممنهج في نظام المساعدات. تلك المساعدات الإنسانية لم تستطع مطلقاً معالجة المشكلات التي تعتبر سياسية، ومع ذلك فإن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية لا تعفي الحكومة من الظروف السياسية من تأثير ذلك على الواقع التي يعيشه المواطن في سوريا.

ومن مسؤولية المانحين، أنه يتعين عليهم التكاتف معاً لصياغة تدريجية لضمان وصول المساعدات لجميع المحتاجين، وعدم وقوعها في أيدي أمراء الحرب، وهذا ما يعني أن يؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار.

والمطلوب من الجهات المانحة إدراك مكان توجّه المساعدات ومن سيتلقاها، وعدم التدخل مع القوى الخارجية لمنع أي تدخل في جهود المساعدات وضمان وقف إطلاق النار، وإنه يجب ابداء المرونة التي تحسّن من قدرات المجتمعات على الصمود أمام الصدامات الإنسانية التي تواجه جهود المساعدات الطارئة، وهذا الدعم مهم بصورة خاصة في شمال غرب ـ وشمال شرق البلاد. حيث يواجه الملايين من الأشخاص الذين أنهكتهم الحرب، والنازحون مستقبلاً مظلماً من دون هذه المساعدات، فضلاً عن ضرورة العمل بالمزيد من الجد في ما يتعلق بتسهيل وصول المساعدات إلى محتاجيها.

إنَّ العقوبات وإجراءات محاربة الإرهاب تخدم غرضاً مهماً، فإنها لا يمكنها فقط منع توفير المساعدات، ولكن غالباً ما تزيد من قوة الأطراف التي تفرض عليها العقوبات والإجراءات.

إنَّ تلاعب الحكومة السورية المستمر بالمساعدات الإنسانية سوف يرسّخ الحرمان والقهر اللذين كانا سبباً لاندلاع الحرب، وسوف يصل أمد عدم الاستقرار والنزوح في المستقبل. فالمساعدات لوحدها لن تصلح الحال في سوريا، لا سيما وأن الحكومة السورية تتمتع بسلطة قوية على وصول منظمات الإغاثة، بما في ذلك من خلال الموافقات على تأشيرات الدخول، لدرجة أنّه أصبح من الطبيعي جداً بالنسبة إلى أقارب كبار مسؤولي الحكومة الحصول على وظائف داخل هيئات الأمم المتحدة في سوريا.

بقي أن أقول أنَّ النظام السوري يعمل جاهداً على استغلال المساعدات الإنسانية لمكافأة حلفائه وأنصاره، ومعاقبة خصومه.

عبد الكريم البليخ