لكل السوريين

أرقام البطالة بطرطوس تعكس واقعاً مؤلماً لشباب وشابات خريجين جامعيين

تقرير/ أ ـ ن

مدينة طرطوس اليوم مدينة عصرية جميلة بمبانيها وأسواقها وفنادقها الحديثة ومنشآتها السياحية ومينائها، أما شاطئ طرطوس فهو امتداد للساحل السوري بطول حوالي 90 كيلو متر برماله الناعمة والشاليهات والفنادق والمقاهي والمطاعم البحرية التي تتناثر عليه وعلى بعد مئات الأمتار من الشاطئ تطالعك جبال طرطوس الخضراء من ضمن سلاسل الجبال الساحلية السورية بجمال وسحر يأخذ الألباب وتنتشر فيها البلدات المصايف داخل الغابات الرائعة، إضافة إلى الكورنيش البحري الذي يضفي على المدينة سحراً خاصاً، ويجذب الكثير لقضاء الوقت والاستمتاع بمنظر البحر الساحر، وعلى بعد كيلومترات أمامها تقع جزيرة آرواد، وترتبط مدينة طرطوس بشبكة حديثة من الطرق والاوتسرادات التي تربطها بباقي مدن سوريا، وميناء بحري يربط المدينة بمدن البحر المتوسط، ومحطة للقطارات مرتبطة بشبكة الخطوط الحديدية السورية مع المدن والمناطق السورية، وتتميز بقربها من مراكز الإنتاج ومجاورتها لمصبات النفط، وهي مدينة هامة اقتصاديا بحكم موقعها الاستراتيجي الذي جعل من مرفأها إضافة لميناء اللاذقية بوابة سوريا الرئيسية على العالم الخارجي، حيث يعتبر مرفأ طرطوس من المرافئ المميزة في البحر المتوسط ذات الطاقة الإنتاجية العالية والموقع الاستراتيجي، وكان يشكل بوابة هامة ليس لسورية فقط بل لمنطقة الخليج والعراق باتجاه أوروبا، يمتلك القدرة على استقبل السفن ذات الحجم الكبير ويشكل رافدا غنيا من روافد الدخل الوطني السوري.

تم افتتاح عددا من الكليات في جامعة طرطوس وبعضها يتبع لجامعة تشرين في اللاذقية، كما يوجد في المدينة عدد من المعاهد تابعة لوزارة التربية، يلجأ العديد من الطلاب السوريين في جامعة طرطوس، إلى العمل إذا توفر في مهن وأشغال مختلفة لتأمين مصاريف الجامعة وأقساطها المرتفعة.

السيد تمام وهو طالب سنة رابعة طب اسنان ويعمل في التمديدات الصحية منذ خمس سنوات، وظل يعمل في نفس المجال بعد قبوله في الجامعة لتأمين مصاريفها وقيمة أقساطها، وأجهزة طب الأسنان وهي كثيرة وغالية الثمن، كأفلام الأشعة مثلا التي تكلف أسبوعيا نحو 150 ألف ليرة سورية، والأسنان الصناعية التي يتدربون عليها تكلف نحو 250 ألف ليرة سورية، إضافة الى المصاريف والأقساط المرتفعة، وأشار السيد تمام الى انه هنالك العديد من الطلاب يعملون في التبليط والتمديدات الكهربائية والصحية وغيرها وضمن نفس الورشة التي يعمل فيها.

السيدة زبيدة دكتورة في العلوم الاقتصادية أوضحت لنا: أن فرص العمل معدمة بمحافظة طرطوس نتيجة لغياب منشآت اقتصادية كافية وغياب تام لمسابقات القطاع العام بينما يعد القطاع الخاص مكتفيا بشكل دائم من حجم العمالة التي لديه لتقف القروض حجر عثرة بدلا من أن تسند جرة في هذا الوقت العصيب على حين لا تزال خطط الجهات المعنية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة على ورق لم يترجم على أرض الواقع بجهة واحدة معنية بتطبيق البرنامج والتواصل مع جهات ممولة له، على حين لا يزال القطاع الزراعي يعاني صعوبة توافر مستلزمات الإنتاج وغلاءها كالسماد والبذار والمياه، وأضافت الدكتورة: يواجه خريجو الجامعات، والشبان بشكل عام في محافظة طرطوس، مستقبلا مجهولا بسبب انتشار البطالة وغياب فرص العمل في مجالاتهم، ما دفعهم إلى العمل في مهن لا توافق تعليمهم  مثلا في توصيل طلبات، أملا بالعيش وسد الاحتياجات الأساسية لأنفسهم وأسرهم.

الطالبة إلهام سنة ثانية في كلية العلوم قالت لنا: أن معظم الشباب في محافظة طرطوس يحاولون البحث عن عمل مناسب لهم، من أجل سد حاجاتهم الخاصة ولتأمين مستقبلهم، ولكن، في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة وقلة فرص العمل اللائقة للخريجين من الجامعات، وبعد الإحباط من وجود عمل مناسب، اتخذ كثير من الشباب مهنة توصيل الطلبات كمهنة لتأمين مدخول جيد، بالإضافة لما يحصلون عليه كمدخول إضافي كبقشيش، مثل عملي انا، وهذا الشاب صديقي وخريج تجارة منذ اكثر من ثلاث سنوات ، وبعدما ضاقت به السبل لإيجاد عمل في اختصاصه من دون جدوى، لجأ إلى استدانة ثمن دراجة نارية ليبدأ عمله بتوصيل الطلبات، بشكل فردي بعد أن وضع رقم جواله، والخدمات التي سيقدمها على صفحات التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك انضممت الى العمل معه، ونتنقل معا في شوارع طرطوس لإيصال طلبات الطعام إلى منازل الزبائن أو أي سلعة يريدها الزبون، حيث أن كثيرا من الناس أصبحوا يتعاملون مع هذه المهنة منذ جائحة كورونا والحجر الصحي.

السيد ملحم وهو خريج تاريخ منذ أربع سنوات وبلا عمل، ولحق فرصة عمل بتوصيل الطلبات واستمر فيها علق على ذلك قائلا: أنه ليس عملا خفيفا وسهلا وقليل الضغط، بل هو متعب، لكن ما يميزه أنه بلا رأس مال ونظيف، ومع مرور الوقت وكثرة المعارف يصبح الدخل المادي أفضل، علما أن الراتب والإضافي لا يسد حاجاته أو يساعد أسرته ولو بقليل في ظل التردي المعيشي الذي يسيطر على البلد، ومن أهم سلبيات المهنة، هي مسايرة عقول ونفسيات الزبائن، والتعامل معه من قِبل البعض بدونية وأقل مستوى، أما الإيجابيات فتلبية طلبات المواطنين، وخاصة كبار السن الذين لا يستطيعون شراء حاجاتهم، أو حمل الأوزان الثقيلة كجرة الغاز والصعود بها إلى طوابق عالية، أو إحضار الدواء في ساعات متأخرة لمريض.

السيد جميل وهو مدير إحدى شركات توصيل الطلبات في طرطوس، أوضح لنا قائلا: إن فكرة التوصيل بدأت عام 2019 عموما في سوريا، لكنها قديمة وموجودة بكل أنحاء العالم ونحن متأخرون فيها، وإن الشركة تملك سجلاً تجارياً وترخيصاً إدارياً ومعظم موظفيها من فئة الشباب وبالأخص الجامعيين لأنها بالنسبة لهم مهنة مرحلية، إما بسبب السفر والهجرة أو العمل بوظيفة ضمن اختصاصهم، فهذا العمل لا يحتاج إلى الخبرة ويعطي عائدا جيداً وسريعاً، وبين أن الشركة تؤمن الدراجات النارية للعمال سواء ذكورا او اناثا الذين يعملون معها وبراتب يعد جيد قياسا لبقية الوظائف الخاصة، حيث يتراوح الراتب المقطوع بين 300 ألف إلى 700 ألف ليرة سورية حسب ساعات العمل، بعزل عن البقشيش.

وفي السياق نفسه أوضحت دكتورة الإرشاد النفسي السيدة ندى، أن ظاهرة البطالة أو قلة فرص العمل لدى الشباب وخاصة خريجي الجامعات في طرطوس، ليست حديثة بل هي قديمة، لكنها ازدادت خلال فترة الحرب، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وسوء بعض القرارات المجحفة بحق الخريجين وندرة مسابقات التوظيف، أو الالتزام بتعيينهم، ودفعت هذه الأسباب الخريجين للبحث عن مصادر دخل مختلفة، لا تليق بهم ولا تتناسب مع شهاداتهم ومكانتهم، كالعمل في المطاعم والبسطات والمتاجر وعمال توصيل الطلبات.

الآنسة لورا وهي خريجة من كلية الحقوق منذ أربع سنوات قالت أحب أن أضيف: كل هذه الأعمال الخدمية، من المؤكد أدت وتؤدي إلى آثار عديدة على صحة الشباب النفسية والجسدية، فالكثير مننا تعرض لاضطرابات جسمية ونفسية كالقلق من المستقبل والإحباط المتكرر، والتشاؤم وسيطرة الأفكار السلبية، كما أن كثيرا منا سافر أو أصبح جل همه السفر أو الهجرة، الأمر الذي سينعكس سلباً على البلد واقتصاده وتطوره، العمل ليس عيباً، جميعنا كشباب جامعي عمل يوما ما وما زال البعض يعمل، لكن أن يبقى مصير الخريج مجهولا فهذا مرفوض على الأصعدة كلها، لذا نأمل من الجهات المعنية أن تولي هذه الشريحة الأهمية الكبيرة، لما لها من دور عظيم في تطوير وتقدم المجتمع.

الشاب قصي وهو خريج هندسة منذ ثلاث سنوات وبلا عمل أشار وبوضوح إلى: أن الرغبة بالسفر أصبحت أحد الحلول الأولى التي يعمل عليها شباب وشابات المحافظة والدليل الهجرة اليومية غير الشرعية إلى قبرص والعراق ولبنان واللجوء بالمئات إلى ألمانيا لإيجاد عمل يكفيهم ويكفي عائلات تعتاش عن طريقهم في المحافظة، ووفقا لأرقام دائرة الإحصاء بطرطوس لعام 2021، فإن المتعطلين من الذكور في المحافظة 66411 شابا ومن الإناث 70650 شابة من حجم قوة عمل تبلغ 493820 مواطنا ليتبين أن النسبة تبلغ 28 بالمئة، علما أن عدد سكان المحافظة مليون و١٧١ ألف ليرة، وأضاف: أنها أرقام على الورق والواقع أكبر من ذلك بكثير، لكن تعكس واقعا مؤسفا لشباب وشابات خريجين جامعيين توجهوا لمراكز عمل لم يجدوا فرصة وفقا لرغباتهم أو شهاداتهم الجامعية أو حتى مؤهلاتهم البسيطة.