لكل السوريين

زيارة رئيس النظام التركي إلى القاهرة.. الدوافع والنتائج

من المبكر الحديث عن التوافق حول الملفات الخلافية بين القاهرة وأنقرة، بعد زيارة رئيس النظام التركي إلى مصر، ولكن الزيارة تبدو خطوة في هذا الاتجاه، وقد تبدأ بعدها محاولات التنسيق والتفاهم بين البلدين حول ملفات التباعد التي ماتزال قائمة، حيث لم يتمكّن استئناف العلاقات بين البلدين وتبادل السفراء خلال العام الماضي من إزالة الخلافات التي تراكمت خلال عقد من الزمن، وعمّقت الأزمة بين أردوغان والسيسي التي بدأت بينهما عندما تولى الرئيس المصري الحكم في تموز 2013، وعزل محمد مرسي رجل الإخوان المسلمين الذي انتخب خلال أحداث الربيع العربي، ورأى أردوغان أن انتخابه سيشكل بداية عهد جديد في العلاقات بين تركيا ومصر، التي عانت من برود كبير في عهد الرئيس حسني مبارك.

واعتبر نظام الإخوان المسلمين وسيلة لدخول تركيا إلى العالم العربي الذي كان يعتبرها دولة معادية.

وجاء رد فعل أردوغان على عزل محمد مرسي نزقاً، وتعهد بأنه لن يصافح السيسي يوماً ما.

ولعل النقطة الهمة في هذه الزيارة تتمثل في توقيع بروتوكول التعاون الاستراتيجي، وقرار عقد أول جلسة لهذا المجلس خلال زيارة السيسي المرتقبة لتركيا في شهر نيسان المقبل، حسب وكالة الأناضول التركية.

ترميم الشرخ

يدرك رئيس النظام التركي أن استئناف العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر، يدخل تركيا إلى دائرة الدول الإسلامية التي تعتبر مؤيدة للولايات المتحدة، دون أن يمسّ علاقاتها مع روسيا أو مع إيران.

وقد تعزز عودتها إلى دائرة الدول الإسلامية، ترميم الشرخ مع الإدارة الأميركية ودول الناتو الذي نجم عن شراء تركيا منظومة صواريخ “إس 400” من روسيا، مع أن هذا الشرخ بدأ في الالتئام بعد أن صادقت تركيا على انضمام السويد لحلف الناتو، حيث كان موقفها في متشدداً في هذا الملف، وفي المقابل وافقت الإدارة الأميركية على صفقة بيع ثمانين طائرة اف 16 جديدة ومنظومات تطويرها لتركيا.

وما زال النظام التركي يلعب على الحبلين في الحرب على أوكرانيا، حيث يمتنع عن تبني العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا، ويزوّد في الوقت ذاته أوكرانيا بمسيرات تركية ساهمت بتغيير الوضع الميداني للمعارك إلى حد ما.

وعلى الأرجح، لن تنجح سياسة اللعب على الحبال هذه المرة، في حصول أنقرة على دور مؤثر في المعركة المشتعلة في المنطقة حالياً، والمرشحة لاحتمالات اندلاع حرب إقليمية.

فشل الدخول إلى ملف غزة

قبل قدومه إلى مصر، أعلن أردوغان أن الوضع في قطاع غزة سيكون على رأس أجندة لقاءاته مع السيسي، وشكّلت زيارته محاولة علنية للدخول إلى مجال الشأن الفلسطيني الذي أبعد عنه لسنين، سواء من قبل مصر أو إسرائيل.

ويشكك المراقبون في أن يتمكن رئيس النظام التركي من الإسهام بشيء مهم حول النشاطات الدبلوماسية التي تستهدف التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين وتحقيق وقف لإطلاق النار، بما يمكّنه من أن يطرح نفسه كشريك في أحداث المنطقة.

كما أن الرئيس المصري لا يسعى إلى ضم تركيا كشريك في المفاوضات السياسية المتعلقة بقطاع غزة، فهو يتنافس مع قطر على احتكار إدارة الاتفاق مع حماس، لمواجهة ما يعتبره تهديداً للأمن الوطني المصري وسيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، عندما يبدأ تدفق أكثر من مليون فلسطيني نحو شبه جزيرة سيناء، إذا بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة في رفح.

فشل الدخول إلى دائرة التأثير

يزعم رئيس النظام التركي أن القضية الفلسطينية قضية رئيسية بالنسبة لتركيا، ويدّعي أنه يدعم الفلسطينيين المضطهدين، ويقوم بما هو مطلوب منه كزعيم مسلم دولي، كما يرى نفسه.

وحاول من خلال زيارته للقاهرة، وبحث الوضع في غزة مع السيسي، الدخول إلى دائرة التأثير الفعلية على الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي، حيث لم تتمكّن الرعاية التي قدمتها تركيا لعدد من قادة حماس والسماح لهم بإدارة أعمالهم على أراضيها وإعطاء الجنسية أو مكانة مقيم لأعضاء الحركة، من وضع النظام التركي في المكانة التي يطمح إليها، ولم تضمّه إلى دائرة المؤثرين الأوائل على حماس.

ومع أن أردوغان كان قد استدعى السفير التركي في تل أبيب مطلع تشرين الثاني الماضي رغم استبعاده “القطيعة التامة” مع إسرائيل، وعرض وساطته في المفاوضات للتوصل إلى هدنة في غزة، إلّا أنه فشل بذلك، وقادت قطر ومصر هذه المفاوضات حتى الآن، وبالمحصلة فشل النظام التركي في الحصول على أي دور مؤثر في ملف غزة.

يذكر أن آخر زيارة لأردوغان إلى مصر تمت في العام 2012، عندما كان رئيساً للوزراء. وكان يرأس مصر حينها الإسلامي الراحل محمد مرسي حليف أنقرة.