لكل السوريين

قراءة أولية لطوفان الأقصى وتداعياته على الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية

تحقيق/ لطفي توفيق

لا شك في أن “طوفان الأقصى” سيغيّر قواعد الصراع التي حكمت العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية لسنوات طويلة، بغض النظر عما سيحدث نتيجة لهذا الهجوم الذي “أذهل وأربك الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية”، حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.

ولعل القراءة المتأنية لما قاله وكتبه قادة وخبراء وصحافيون إسرائيليون تكشف الفشل السياسي والاستخباري والعسكري الهائل، وهشاشة جيش الاحتلال الذي لا يقهر، حسب زعم قادته.

كما تكشف غطرسة القوة التي ميّزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولكنها تبلورت اكثر لدى الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية التي ضمّت رموز التعصب القومي والديني، وحوّلتهم من قادة عصابات ومجموعات متعصبة ترفض وجود شعب فلسطيني وتسعى إلى طرد الفلسطينيين من ديارهم أو قتلهم وتهويد مقدساتهم، إلى وزراء وأصحاب قرار تأتمر المؤسسات العسكرية والأمنية بأوامرهم، ويشكلون تنظيمات عسكرية خاصة بهم إلى جانب هذه المؤسسات.

وهو ما ضخّم غطرسة القوة لديهم مما دفعهم إلى الاستهتار الكامل الذي وصل بهم إلى درجة العمى الكامل، إلى حد عدم التوقف عند المناورات العسكرية التي أجرتها كتائب القسام وحاكت ما حصل قبيل هجوم طوفان الأقصى.

كما سيكون لطوفان الأقصى تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، وخاصة في ظل نظام دولي متهالك، وآخر في طريقه إلى التبلور ولكن بملامح غير واضحة ورؤية ضبابية.

احتجاجات الضفة الغربية

شهدت العديد من مدن وبلدات وقرى ومخيمات الضفة الغربية مسيرات حاشدة نصرة لقطاع غزه الذي يتعرض لعدوان وحرب شرسة تشنها دولة الاحتلال الاسرائيلي.

وشارك عشرات الآلاف في مسيرات حاشدة وغاضبة في رام الله وجنين وقلقيلية وطولكرم والخليل وطوباس ونابلس وأريحا وقلنديا وشعفاط، والعديد من المدن والبلدات والمخيمات الأخرى، وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية.

ورفع المشاركون في هذه المسيرات الأعلام الفلسطينية وصور ضحايا المجازر الاسرائيلية والدمار في قطاع غزة، واطلقت مئات السيارات التي جابت شوارع المدن والبلدات أبواقها للتعبير عن التنديد بجرائم الاحتلال.

واندلعت مواجهات عنيفة بين عشرات الشبان وقوات الاحتلال في العديد من محاور ومداخل المدن والبلدات، وعلى الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الفلسطينيين بالرصاص الحي وبالغاز السام والمسيل للدموع.

ونشر الاحتلال طائرات مسيرة في أجواء الضفة الغربية، ودفع بالمئات من جنوده إلى الحواجز ومناطق المواجهات.

وانتشرت الشرطة الإسرائيلية بشكل مكثف في محيط البلدة القديمة في القدس لمنع وصول المصلين إلى المسجد الأقصى تحسباً لأي تصعيد بعد صلاة الجمعة، وحصرت دخول باحاته على من يحملون هوية سكان البلدة القديمة بالقدس الشرقية.

وألقت قنابل صوتية لتفريق الأشخاص الذين تدفقوا للبلدة القديمة لأداء الصلاة في المسجد

واعتدت بالهراوات على مصلين كبار في السن ونساء بمنطقة باب المجلس.

وبعد انتهاء الصلاة، وقعت مناوشات بمنطقة باب الأسباط بعد أن أطلقت مجموعة من الشبان الألعاب النارية نحو قوات الشرطة التي ردت بإطلاق القنابل الصوتية لتفريقهم.

سلطة ضعيفة وبيانات إنشائية

مع إطلاق حماس عملية طوفان الأقصى، ورد إسرائيل بالقصف الجوي العنيف على غزة، وتصاعد احتجاجات الضفة الغربية، كان رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله يصدر البيانات.

وقال محمود عباس بعد نقاش مع مسؤولين أمنيين “إن للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”.

وأعرب لاحقاً، عن رفضه لتهجير سكان قطاع غزة، وطالب خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي بالعاصمة الأردنية، بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع، واعتبر أن “تهجير سكان القطاع سيكون بمثابة نكبة ثانية لشعبه”.

وحذر من “حدوث كارثة إنسانية في قطاع غزة جراء توقف كافة الخدمات الإنسانية، وتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة فيه”.

وأكد “رفض الممارسات التي تتعلق بقتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين”، ودعا إلى “إطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين”.

مما سلط الضوء على عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بأي دور مؤثر، حيث يجد عباس نفسه بين سندان انتقادات إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموماً لعدم إدانته “للعنف المسلح الذي مارسته حركة حماس المصنفة على لائحة الإرهاب الأميركية”، ومطرقة انتقادات الفلسطينيين بسبب علاقاته الوثيقة مع واشنطن والتعاون الأمني مع تل أبيب.

جرائم إسرائيل ومآسي غزة

تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مأساة اكتظاظ المستشفيات والمشارح في قطاع غزة

جراء القصف الإسرائيلي العنيف، وذكرت أن جثث الفلسطينيين ملأت مشرحة مستشفى الشفاء،  ولم تعد هناك مساحة داخل الثلاجات، وكانت الجثث ملقاة على الأرض مع استمرار وصول المزيد من الجثث والمصابين، بحسب الصحيفة.

وفي مدينة خان يونس بجنوب القطاع، ذكرت وكالة “رويترز” أن الجثث كانت ملقاة على نقالات على الأرض، والدماء تلطخ المكان، وكانت جثث خمسة أطفال صغار مصفوفة بجانب بعضها على الأرض.

وناشدت المشافي العائلات جمع الجثث بسرعة لدفنها لإفساح المجال للقتلى الآخرين الذين ما زالوا يصلون.

وذكرت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية أن الأطفال الفلسطينيين هم الذين يدفعون الثمن الأكبر نتيجة القصف الإسرائيلي.

وأوضحت أن الغارات الجوية دمرت منازل الأطفال والأسر في غزة، في حين تضررت ثلاث مدارس على الأقل ومستشفى واحد.

وقال جيسون لي، مدير المنظمة في الأرض الفلسطينية، إن “شعور الأطفال بالأمان قد تلاشى.. العائلات والأطفال مرعوبين ويشعرون كأنهم أهداف”.

وأضاف “الأطفال في جميع أنحاء المنطقة يعيشون في خوف دائم.. يجب أن يتوقف هذا العنف، وإلّا فإن الأطفال سيستمرون في دفع الثمن”.

طرد الفلسطينيين من ديارهم

دعا الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص يعيشون في شمال قطاع غزة لإخلاء منازلهم، وسط مؤشرات على أن إسرائيل تستعد لتكثيف هجومها الانتقامي ضد حركة حماس.

وقال جيش الاحتلال في بيان “يا سكان غزة، عليكم التوجه جنوباً حفاظاً على أمنكم الشخصي وأمن عائلاتكم، وابعدوا أنفسكم عن مخربي حماس الذين يستخدمونكم دروعا بشرية”.

وأضاف البيان أن الجيش سيواصل في الأيام المقبلة عملياته بشكل كبير في مدينة غزة.

وكانت الأمم المتحدة قد قالت إن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن “جميع سكان شمال غزة يجب أن ينتقلوا جنوباً خلال الـ 24 ساعة المقبلة”.

مع أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنر أقر في تصريح صحفي بأن الإخلاء قد يستغرق بعض الوقت.

ووفقا لبيان الجيش فإن أوامر الإجلاء تنطبق على جميع موظفي الأمم المتحدة والذين يقيمون في المرافق التابعة لها، بما في ذلك المدارس والمراكز الصحية والعيادات.

في حين أكدت الأمم المتحدة أنه من المستحيل إجلاء المدنيين “دون عواقب إنسانية مدمرة”.

هجوم بري مرتقب

من غير الواضح بعد ما إذا كانت إسرائيل تخطط لشن هجوم بري شامل على غزة، أو متى وكيف سيحصل ذلك في حال إقراره، ولكنها بدأت منذ أيام بحشد مئات الآلاف من الجنود والمعدات العسكرية على حدود قطاع غزة بينما تكثف حصارها وقصفها الجوي للقطاع.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه سينفذ عمليات عسكرية في مدينة غزة خلال الأيام المقبلة، داعياً “جميع سكان المدينة” إلى ترك منازلهم.

وقال في بيان إنه يدعو “كافة سكان مدينة غزة لإخلاء منازلهم والتوجه جنوبا، من أجل حمايتهم”، وأشار إلى أنه “لن يسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلّا بعد صدور بيان يسمح بذلك”.

وأضاف البيان “فتحت منظمة حماس الإرهابية الحرب ضد دولة إسرائيل وتشهد مدينة غزة أعمالا عسكرية.. يتم تنفيذ هذا الإخلاء من أجل أمنكم الشخصي”.

ولم يعلن الجيش الإسرائيلي عن طبيعة العملية العسكرية التي ينوي القيام بها في قطاع غزة،

ولكنه طالب المدنيين بالابتعاد عن مسلحي حماس الذين يستخدمونهم كدروع بشرية، حسب بيانه

وحسب زعمه “يختبئ مخربو حماس داخل مدينة غزة في الأنفاق تحت البيوت وداخل مباني مكتظة بالسكان الأبرياء”.

سقوط نظرية الردع الإسرائيلية

أدى حجم الخسائر الهائل في أول يوم من عملية طوفان الأقصى، إلى سقوط نظرية الردع الإسرائيلية التي تقوم على الاحتفاظ بزمام المبادرة بالحرب، وحصر المعركة في الجبهة الداخلية للعدو، وحسم الحرب بأسرع وقت ممكن لأن الحرب الطويلة تلحق أضراراً جسيمة بإسرائيل واقتصادها وهيبتها، وتحقيق الأهداف المتوخاة من الحرب، والتحكم في نهايتها.

بينما كان ميدان المعركة الرئيسي خلال انطلاق طوفان الأقصى في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

كما أن حسم الحرب بأسرع وقت لن يتحقق فهي ماتزال في بداياتها.

وبغض النظر عن مجريات الحرب وما ستسفر عنه من نتائج، فما حدث في يومها الأول، والخسائر الهائلة والإهانة الكبرى التي تعرض لها كيان الاحتلال، أسقط فكرة تحقيق الأهداف المتوخاة من الحرب، وسيبقى علامة واضحة على هزيمة “الجيش الذي لا يقهر”، وتجسيداً لانتصار المقاومة مهما حل من دمار في غزة.

أما التحكم في نهاية الحرب، فهي غير مضمونة ولا معروفة في حرب ما زالت في بدايتها، ومن الصعب والمبكر توقّع شكل نهايتها.

ولكن من المؤكد أن هذه الجولة غير المسبوقة قد أسقطت نظرية الردع الإسرائيلية تماماً.

عمى غطرسة القّوة

تفيد مؤشرات كثيرة بأن حكومة الطوارئ الإسرائيلية المزمع تشكيلها تنذر بالمزيد من البطش في قطاع غزة دون اكتراث بحياة المدنيين الفلسطينيين أو الأسرى الإسرائيليين.

حيث يتفق قادة الائتلاف الحكومي على ضرورة الانتقام وإغراق غزة بالدم والدموع والظلمة، كما جاء في تصريحات وزير الأمن غالانت الذي هدد بتغيير واقع الحياة فيها لخمسين عاماً، إضافة إلى إعلانه حرمانها من الماء والغذاء والدواء.

هذه التهديدات الإسرائيلية المعلنة التي ترتقي إلى جرائم حرب، تنم عن رغبة القيادة الإسرائيلية بتلبية رغبة الإسرائيليين المتطرفين في الانتقام وتركيع الفلسطينيين، وردعهم عن أي فعل مقاوم للاحتلال، خاصة في قطاع غزة المحاصر، وتهدف إلى استعادة ثقة الإسرائيليين التي تبخّرت بدولتهم على المستوى السياسي والعسكري على خلفية الواقع الموجع الذي خلّفته عملية طوفان الأقصى في إسرائيل، وهو أكبر وأخطر مما صوّره الإعلام الصهيوني، فرجال المقاومة احتلوا ثماني قواعد عسكرية، وأكثر من عشرين مستوطنة، مما أسفر عن تدمير بعضها، وقتل عدد كبير من سكان المستوطنات الأخرى.

ولكن غطرسة القوّة لدى القادة الصهاينة لا تمكّنهم من استيعاب إرادة الشعوب التي تقاتل دفاعاً عن أرضها وكرامتها، فقبل أن يقوم الكيان الصهيوني على أنقاض الشعب الفلسطيني في نكبة عام 1948، دعا قادة الصهاينة إلى بناء “دولة يهودية من حديد، وجدرانها من فولاذ”.

وبعد 75 عاماً، حطمت جرافة فلسطينية شبه متهالكة من غزة غطاء العنجهية الإسرائيلية، كما قال الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في جريدة هآرتس العبرية.