لكل السوريين

التصعيد الأكبر منذ القضاء على داعش.. هل ستبقى سوريا فأر تجارب بين أذرع إيران وأمريكا

حاوره/مجد محمد

الشرق السوري بات في الفترة الأخيرة يتصدر عناوين الأخبار والتحليلات، حيث تواصل جميع الأطراف حشد قوات في ريف دير الزور الشرقي، وهو المسرح المتوقع لأي صدام عسكري محتمل، حيث يستقدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تعزيزات من العراق إلى قاعدتي حقل العمر وكونيكو، بينما يواصل الإيرانيون والروس حشد الفصائل الموالية لإيران والحكومة السورية إلى خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية شريكة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وانتشر في ريف دير الزور جنوب الفرات قوات الحكومة وباقي للفصائل الموالية لإيران وقوات أخرى محلية مرتبطة بالروس وتتحرك وفق أوامرهم.

ولم يسبق أن دخل الروس والأمريكيون في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة في سوريا ما عدا احتكاكات بين الدوريات في ريف الحسكة، غير أن التطورات المتلاحقة في الشرق السوري تشي بأن الأوضاع ربما تنزلق إلى حرب بالوكالة بينهما بعد التحركات الأخيرة التي شهدتها قاعدة التنف العسكرية التابعة للتحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة واشنطن عند الحدود الأردنية السورية العراقية، التحضيرات للحرب دخلت مرحلة العلن وما عادت سراً الاستعدادات الإيرانية لشن هجوماً على القوات الأمريكية، فالسكان المحليون بدأوا بالنزوح من قرى وبلدات عديدة على خلفية مشاهدتهم للتحشيدات المختلفة من الطرفين، فهل نحن على مشارف معركة قريبة ومؤكدة بين إيران وأمريكا في شرق سوريا؟

وللحديث عن هذا الموضوع وبهذا الخصوص أجرت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدولية رشيد حمكو، ودار الحوار التالي:

*استاذ رشيد مرحباً بك بداية، في ضل هذه التحشيدات العسكرية، برأيك هل سيكون هناك صدام عسكري أم إن هناك رسائل فقط ترسل من الأطراف من خلال هذه التعزيزات؟

اهلاً بك، أهم القوى الأجنبية في سوريا هي أمريكا وروسيا، وروسيا هي اللاعب الأبرز كونها حافظت على النظام السوري من السقوط، أمريكا أجندتها محددة في سوريا فهي لا تريد أن تحارب أحد ولا تريد تغيير النظام ولا تريد محاربة إيران، لديها هدف واحد فقط وهو محاربة الجماعات الإرهابية، أمريكا لديها حلفاء يعملون معها على الأرض وأي هجوم على الحلفاء بالتالي سيدخل الأمريكان في الأمر، وأمريكا لن تنسحب من سوريا فعندما أراد ترامب الانسحاب من سوريا عارضه الكونغرس لأنه يعرف أن الوجود الأمريكي في سوريا هو لحماية الأمن الأمريكي والأوروبي، أما بالنسبة لإيران فهناك تقارب أمريكي إيراني ولا أعتقد أن إيران تبحث عن مشكلة وحرب مع أمريكا في سوريا.

*إذاً كل هذه الرسائل موجهة بين الأمريكان والروس؟ وهل على خلفية الحرب الروسية والاوكرانية يترجم ذلك في الساحة السورية أم ماذا؟

الموضوع الروسي موضوع مثير للاهتمام، وموضوع معقد ورسائله تختلط على الناس، أمريكا أساساً لا توجد لها مشكلة مع روسيا ولا تعتبرها عدو لها، فهي تدخلت في أوكرانيا ليس كرهاً بروسيا ولا حباً بأوكرانيا، فهي تدخلت لتضع حدود فقط، فهي فعلياً تخاف على النظام الروسي وذلك من خلال تصريحاتها بأن روسيا حجمها بحجم أمريكا وكندا مجتمعين ولديها آلاف الرؤوس النووية، فالخوف هو على روسيا من أن يكون لديها مشاكل تؤدي لأسقاط النظام ولكن الروس منزعجين من مساعدة أمريكا لأوكرانيا، وأمريكا اساساً تساعدهم بشكل مدروس جداً فهي لا تريد أن تستفز الروس ولكن روسيا تجد أن هناك ربما مكان في سوريا ترسل من خلاله الرسائل أنها ممتعضة مما تفعله أمريكا.

*الشرق السوري إذاً أصبح مثل صندوق البريد لأرسال رسائل روسية وامريكية، هل يصح القول بأن هناك طابع إيراني على هذه الرسائل وكيف تقرأ وما الغاية والدلالات في ضل الحديث عن حرب أوكرانية روسية؟

نجد هنا حالة الصراع تحاول أن تكون بين روسيا وأمريكا والحقيقة أنها ليست كذلك، روسيا تبحث عن أي نصر لها مهما كلف ليكون لها حالة معنوية لدى القيادة السياسية والعسكرية وحتى الشعب الروسي, بعد ما تتلقاه من هزائم كبيرة رغم احتلالها لأجزاء من أوكرانيا فهي تخسر الكثير والكثير، لذلك الحالة هي بين إيران وأمريكا وليس للنظام السوري شيء في هذا الموضوع سوى أنه ينقاد خلف إيران، وإيران لا تخفي أطماعها وسياستها في سوريا, فهي تتحدث عن ممر أو هلال شيعي ويتفاخر القادة الإيرانيين على سيطرتهم لأربعة عواصم عربية بدءاً من طهران إلى بغداد مروراً بدمشق وصولاً إلى بيروت وطبعاً صنعاء، لكن لا يمكن لإيران أن تتفاخر في حال عدم وجود خط امداد بري بين هؤلاء، وهنا النقطة الجغرافية التي تتم حالة الصراع عليها والتركيز عليها وهي آخر نقطة من النقاط التي يمكن للإيرانيين استخدامها كممر لهم من سوريا إلى لبنان، وتبين في ما مضى بالفترة الأخيرة في ما يخص موضوع المخدرات أن إيران واجنداتها لديهم اليد الطويلة في الترويج والتصنيع لمثل هذا، وأمريكا لا تريد إنهاء إيران بالشكل الكلي للحفاظ على النظام، فهي تريده أن يبقى ولكنه مقصقص الجناحين وأن يبقى سبيل للخوف لمنطقة الخليج والشرق الأوسط وتحركه متى ما شاءت، وإيران لا تخفي أطماعها فهي صريحة وواضحة أكثر من الكل وهي لا تتخلى عن حلفاؤها لأنها تعتبر هذا الحليف وليدها ورضيعها فهي تكبره لنفسها وليس للأخرين، فهي تريد بقاء الأسد أو أي نظام آخر يكون طائع لنظام الملالي، فهي ستقوم بحمايته والدفاع عنه، ولا ننسى أيضا أنه في حالة الصراع هنا إنه هناك خوف إسرائيلي من أن يكون هناك امتداد إيراني على حدودها، فهنا ليست حالة حرب وإنما حالة حماية مصالح، بالعودة إلى منطقة التنف بالخصوص فهي نقطة الفصل وستكون هناك حالات ربما مواجهة غير مباشرة وخفيفة ولكن ما يحصل من تحشيدات فهي حالة استعراض من جميع الأطراف، وهذا هو الطابع الإيراني على رسائل البريد.

*الحرب الأوكرانية والروسية تفرض ضلالها على سوريا، وبالحديث عن الدور العربي إن كان هناك موافقة أو ضوء أخضر مبطن بفكرة التحرك نحو تلك المنطقة لقطع الطريق أمام التدخل الإيراني، هل هو موجود بهذه القوة أم أن هناك تناغم بين أمريكا وروسيا ولن تذهب الأمور لنقطة الصدام، ما رأيك؟

بين أمريكا وروسيا هناك خط ساخن مفتوح كي لا يتطور أي موضوع، حصلت حالات خفيفة عبر تشابك بالأيدي بين القوات الأمريكية والروسية في الحسكة ولكنها لم تتطور لمستوى الصدام، إذاً هناك اتفاق بين الطرفين، والحديث عن الحرب الروسية الأوكرانية إنها تفرض ضلالها ليست على سوريا فقط وإنما على كل العالم وكل أماكن التواجد الأمريكي، الموضوع العربي لا يخفى على أحد منذ استلام نظام الملالي لإيران وتصدير الفكر الثوري الشيعي على الشعوب العربية محط أنظارها كي يكون هناك امتداد صفوي كامل واحتلالات جديدة، والعرب والخليج خصوصاً ضد ذلك، فهناك حديث عن دعم سعودي وإماراتي وكويتي لدعم أبناء المنطقة لردع إيران وخاصة انهم بالخليج يعانون من التوسع الإيراني، وهنا يمكنني القول إنه توجد حالة صراع حقيقية بين قطبين إسلاميين، فالعرب سيدعمون اي دعوة، وحتى لو كانت حرب، للحد من المد الإيراني وخاصة أن الإيرانيين واضحين ولا يخفون سياستهم.

*الحديث عن إقرار أمريكا بوجود عدوان روسي في سوريا، وأنها لا تسعى للصدام معها، إقرار الحالة تحت مسمى العدوان كيف نفسره في ضل أنه لم يعد هناك أي حديث عن القرار الأممي أو أي مسار آخر يخدم الحل السياسي في سوريا؟

بالتأكيد أن أمريكا لا تبحث عن مشكلة مع روسيا في سوريا، فهناك حرب أهلية في سوريا لأكثر من ١٢ عام وتحارب فيها أجندات مختلفة منذ عدة سنوات، فهم وجدو حل بطريق أو بآخر لتحقيق أجنداتهم، أمريكا تصرح دائما أنها ليست لديها مشكلة مع إيران وروسيا في سوريا، وأنها فقط تحارب الإرهاب مع حلفاؤها وأن أي حل سياسي ودبلوماسي يجب ألا يمس بمصالح حلفاؤها ومستقبلهم، والمناوشات تحدث لأن الروس ممتعضين من الدعم الأمريكي لأوكرانيا، فالحرب غالباً هي إعلامية بحت، والبحث عن حل سياسي لسوريا لم يعد من أولويات أي من القوى الأجنبية الفاعلة على الأرض السورية، فسوريا أصبحت ساحة لاستعراض القوى وتفريغ الغضب وليس من مصلحة أي دولة أجنبية إنهاء حالة الحرب فيها.

*تعزيز القوات الأمريكية، في ضل كل هذا الأمر تزامن بتصريحات أمريكية انها سترسل جنود إلى سوريا والعراق وتأكيدها انها لا تنوي الخروج من سوريا، هذه التصريحات كيف كان صداها لدى روسيا ودمشق؟

حديث إعلام النظام عن المحتل الأمريكي وهذا الخصوص يبين نية النظام في رغبته إلى العودة إلى المنطقة الشرقية التي حررها أبناؤها تحت راية قوات سوريا الديمقراطية من داعش، داعش التي حتى الآن لها تصرفات فردية في المنطقة بدعم من الحشد الإيراني والنظام السوري الذين يريدون اضطراب المنطقة وإشعال الفتن فيها، أمريكا ببقائها يعتبر هذا دعماً لقوات سوريا الديمقراطية وهذا ما لا تريده روسيا وحكومة دمشق، فهناك حالة صراع وتناقض وهناك تحالف بين هؤلاء المتصارعين والمتناقضين، فقوات سوريا الديمقراطية تسعى أن تكون هناك راية واحدة لسوريا وحوار سوري سوري، ولكن للأسف النظام ربط نفسه تحت راية القوى الأجنبية التي تسعى لتنفيذ مصالحها ولم ولن تريد الخير يوماً لسوريا.

*هناك حديث عن اتفاق بين قوات الصناديد التي هي جزءا من قوات سوريا الديمقراطية وجيش سوريا الحرة المتواجد في منطقة التنف، ما رأيك بهذا؟

هذا الاتفاق مجرد أقاويل ولم يؤكده أي من الأطراف المعنية، ولكن برأيي أن هذا الاتفاق إن حدث أساساً فهو صعب التطبيق والتنفيذ من الناحية العملية بالنظر إلى التباعد الجغرافي بين مناطق انتشار الجانبين، حيث يفصل بينهما ١٥٠كلم تقريباً، وهي منطقة تضم الآلاف من الميليشيات الإيرانية والجيش السوري، وليس لدى الطرفين القدرة العسكرية على التوغل في هذه المنطقة الشاسعة، فالأمر لا يخلو من مبالغة وفقاعات إعلامية.

*ختاماً، كلمة أخيرة، المجال مفتوح لك..

ختاماً أود القول إنه لا توجد حرب كبيرة محتملة، ولا يوجد شيء جدي على أرض الواقع، فتعزيزات التحالف الدولي طبيعية لأنها دائماً تتعرض لهجمات بين حين وآخر، وإن إغلاق المنطقة استعداداً لحرب مقبلة، الوقائع لا تثبت هذا الشيء على أرض الواقع، والحديث عن تحالفات عسكرية وعشائرية هي مبالغة إعلامية ومجرد تفصيلات لا تؤشر على حرب محتملة.