لكل السوريين

معاناة المرأة وأطفالها أثناء غياب الزوج

فوزية المرعي

أفرزت الحرب المدمرة على سوريه بشكل عام وعلى مدينة الرقة بشكل خاص آثارها على البشر والحجر والشجر، كوارث جمة لا يمكن احصاؤها.

سنسلط الضوء على إحدى هذه الكوارث التي طالت الام والابن والأب، تزوج الكثير من الشبان وهاجروا تاركين خلفهم الزوجة والأطفال، هرباً من طغيان داعش وقد لاحظت بأم عيني إحدى هذه المشاكل وقد تجسدت من خلال طفلة بلغت عاما واحداً، وبدأت تلفظ بشكل عفوي كلمة بابا وتتلفت حولها باحثة بعينيها البريئتين عن والدها، الذي تفتقده فتارة تتعلق بين أحضان خالها وتصيح له بابا وتارةً أخرى تبكي وترمي نفسها بأحضان جدها ظناَ منها أنه والدهـــا.

وتبدأ الأم بعرض صورة والدها الحقيقي من خلال شاشة الهاتف، فتبدأ الطفلة تتأمل بكل رجل يدخل إليهم من أقاربها وتبحث عن والدها ببكاء لا يجد له تفسيراً سوى الله، فتقف الأم حائرة يخيم عليها الحزن وتحاول تهدئة الطفلة، وأحياناً كثيرة لا تجد حلاً سوى التضامن مع دموع طفلتها، وهي تنهمر بغزارة وتصيح بابا ولا مجيب لهن سوى الحزن والصمت.

وهذه مشكلة ثانية بشكل آخر تجسد معاناة المرأة بطريقة أكثر وجعاً من الأولى إذ يسافر الأب وقد اصطحب معه طفله البالغ من العمر خمس سنوات ويستقر به المطاف بعد رحلة شاقة في ألمانيا بعد أن تهدم بيته ولم يعد له دخلاً يقتات منه هو وعائلته، بقي مع الأم ثلاثة أولاد وبنت عمرها في الرابعة وكانت متعلقة بوالدها، فهرب من أمامها فجراً قبل أن تصحو وتتعلق به طالبة مصاحبته كما تفعل بشكل يومي.

مضى على سفر الأب حوالي ثلاث سنوات ونصف وهو ينتظر والعائلة التي تركها خلفه، ينتظرون (لم الشمل) الطفل الذي اصطحبه معه لاحظت المعلمة في ألمانيا أنه كثير الشرود، وحين تسأله المعلمة يذرف الدموع مناديا ماما، وتُعرض مأساته على طبيب نفسي ليخضع للعلاج.

أما الطفلة الصغرى التي بقيت مع أمها فقد عانت الأم منها الويلات، فـ بالإضافة إلى غياب الأب وحاجة الأسرة إلى مصروف يسد رمق عيشهم وآجار البيت، الذي شكل عبئاً عليهم بالإضافة إلى غياب الزوج عن زوجته التي حرمت من أشياء كثيرة، نتيجة غيابه عنها كفقدها للحياة العاطفية وفقدها لحالة الأمان التي تشعر بها من خلال مساندة زوجها لها في جميع متطلبات الاسرة.

هاتان القصتان وغيرها من القصص التي لا تعد ولا تحصى جميع أعبائها تقع على كاهل المرأة، التي تقع في متاهة لقيادة دفة الأسرة وأعبائها الجمّة، والصعوبة تصل إلى ذروتها حين تكون المرأة غير عاملة أو موظفة، لتساهم في إدارة الأسرة مادياً.

في مثل هاتين الحالتين يقرّ العلماء أن الأطفال سيتعرضون الى مشاكل وامراض نفسية، سوف تنعكس على حياتهم الصحية والجسدية بأمراض قد يصعب الشفاء منها.

إن فقدان الأب يضع الطفل تحت ضغط عصبي متواصل، ما يُحدِث تغييراً في كيمياء المخ، واضطراباً في الهرمونات، كما تتأثر قدرة خلاياه العصبية على التجدُّد والنمو، هذا ما يقرّه أهل العلم والمختصين في هذا المضمار.

نتمنى من الآباء الذين هاجروا وتعسّر لم شملهم مع أسرهم أن يعودوا إلى موطنهم كي لا يفقدوا انتمائهم، ولا يفقدوا توازن أبنائهم الذين تركوهم للمعاناة التي تنهش قلوبهم الغضة، وخاصة بالنسبة لمدينة الرقة التي بدأت تنهض من كبوتها وتنفض الغبار عن مأساتها لتنعم بالعمران وتحسين الظروف الحياتية.