لكل السوريين

قتال الإخوة الأعداء في عين الحلوة.. يعمّق جراح فلسطين

شكّلت جولة الاشتباكات الأخيرة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين مأساة جديدة فاقمت من معاناتهم الناجمة عن صراعات منها ما تعنيهم، ومنها ما لا تعنيهم بشيء.

ونزح الكثيرون من المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان الذي يوصف بعاصمة الشتات، وتشردوا نتيجة الاشتباكات، تاركين ما يسمى بمنازلهم التي لا ترتقي إلى ما يشبه المنازل فهي أبنية بدائية محشورة في دهاليز ضيّقة تتدلّى بينها وبداخلها كابلات الكهرباء الخطرة، في مساحة لا تتعدى الكيلومتر المربع الواحد، ويسكنها أكثر من ستين ألف لاجئ، وهي كل ما يمكن أن يطمح

الفلسطيني ليعيش في مخيمات لبنان.

ويعيش سكان المخيم في ظل ظروف مأساوية تضاعفت منذ عقدين من الزمن بفعل الإجراءات الاستثنائية التي يفرضها الجيش اللبناني بمحيطه، وخضوع مخارجه للمراقبة على مدار الساعة، إضافة إلى معاناتهم من الكثافة السكنية والأبنية العشوائية المتهالكة في المخيم.

وفي المخيم الذي شهد مواجهات ساخنة بالقذائف والرصاص الذي اخترق جدرانه الهشة أصلاً، توجد مربعات عسكرية متاخمة للمنازل تضم عدداً من الفصائل الفلسطينية، أبرزها حركة فتح وعصبة الأنصار وجبهة التحرير الفلسطينية والقوى الإسلامية الأخرى.

خسائر فادحة

تكبد أهالي المخيم خسائر كبيرة بعدما تحول عدد من أحيائه إلى حطام مشتعل، حيث تواصلت الاشتباكات العنيفة لأربعة أيام تخللها استخدام للقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة.

وبعد مجموعة مبادرات واتصالات لبنانية وفلسطينية، أعلنت هيئة العمل الفلسطيني المشترك من مقر سفارة فلسطين في بيروت، عن اتفاق لوقف إطلاق النار عبر سحب المسلحين وتكليف لجنة تحقيق لكشف المتورطين في مقتل قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا “أبو أشرف العرموشي” ومرافقيه وهم في طريقهم لإنجاز تسوية تسليم قاتل أحد الشبان الإسلاميين في شهر تموز الماضي، حيث تكفل العرموشي بتسليم القاتل الذي ينتمي إلى حركة فتح للجيش اللبناني فجرى اغتياله، فتصاعدت الاشتباكات وبلغت ذروتها.

ويخشى نازحو المخيم من العودة إلى منازلهم بسبب قلقهم من تجدد الاشتباكات، وخوفهم من عدم القدرة على ترميم الدمار الكبير الذي خلفته القذائف والرشاشات والقنابل، حيث أعلنت “هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين” وهي هيئة إعلامية مستقلة تعنى بأخبار اللاجئين الفلسطينيين، أن الاشتباكات المسلحة تسببت بتدمير البنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرقات، واحرقت ودمرت نحو سبعمئة منزل، وألحقت ضرراً كبيراً بالمحلات التجارية والمركبات وخزانات المياه في المخيم.

كما تسببت بنزوح أربعة آلاف شخص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

ميقاتي وعباس يستنكران

رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان استخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين، وطالب القيادات الفلسطينية بالتعاون مع الجيش اللبناني لضبط الوضع الأمني وتسليم العابثين بالأمن إلى السلطات اللبنانية.

وقال ميقاتي “من غير المقبول ولا المسموح به أن تعتبر التنظيمات الفلسطينية الأرض اللبنانية سائبة وتلجأ للاقتتال الدموي فيها”.

وأشار إلى أن القوى الأمنية اللبنانية ستقوم بالدور المطلوب منها لضبط الأمن، وأن الجيش يقوم بواجبه لمعالجة الوضع في عين الحلوة.

وبدوره أشار الجيش اللبناني في بيان، إلى تعرض مراكز ونقاط مراقبة تابعة له لإطلاق نار أدى إلى إصابة عدد من العسكريين بجروح.

وحذر بيان الجيش من “مغبة تعريض المراكز العسكرية وعناصرها للخطر مهما كانت الأسباب” وأكد أن الجيش سيرد على مصادر النيران بالمثل.

وشجب الرئيس الفلسطيني محمود عباس اشتباكات المخيم، وأكد على “دعم ما تقوم به الحكومة والجيش في لبنان من أجل فرض النظام والقانون”، وشدد على أن “الوجود الفلسطيني في لبنان مؤقت إلى حين العودة إلى الديار التي هجروا منها حسب القرارات الدولية”.

يذكر أن مخيم عين الحلوة تأسس بعد نكبة عام 1948، وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وشهد توترات أمنية كثيرة بسبب تراجع حضور فصائل منظمة التحرير وعمودها الفقري حركة فتح لمصلحة القوى الإسلامية ومجموعات غير منظمة، وتحول منذ سنوات إلى محميات وجزر أمنية متناحرة، وبات يختصر كل تناقضات المشهد الفلسطيني، ويضم كل الحساسيات الفلسطينية المتنوعة، ومعظم الفصائل الفلسطينية المنظمة وغير المنظمة، ويؤوي عدداً كبيراً من المطلوبين والفارين من وجه العدالة.