لكل السوريين

قراءة في مخرجات القمة الروسية الافريقية الثانية.. وماذا أرادت موسكو منها

تظهر انعكاسات تحول النظام العالمي على إفريقيا واضحة خلال هذه المرحلة، وتبرز فيها قضايا حيوية وملحّة، مثل الطاقة والتجارة والأمن الغذائي والبحث عن الأمن، كمعايير مهمة لتطور دولها.

وتحاول روسيا التي وصل عدد سفاراتها في إفريقيا إلى ثمانية وثلاثين، الدخول إلى بلدان إفريقية جديدة من خلال مشاريع تنفذها في هذه البلدان، وتحاول توسيع دائرة وجودها في القارة، وإقامة علاقات مع دولها لضمان عدم عزلتها دولياً، والإفادة من أصوات هذه الدول في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.

ويبدو أن القمة الروسية الإفريقية الثانية جاءت بتوقيت مهم لتوجهات السياسة الخارجية الروسية في القارة السمراء.

ومع أن التوجه الروسي نحو القارة مهم لبلدانها التي عانت من الهيمنة الغربية على السياسة والاقتصاد العالمي في إطار عالم أحادي القطب، فهو مهم أكثر لروسيا التي تحاول الوقوف في وجه المحاولات الغربية لعزلها على الصعيد الدولي، حيث سعى بوتين إلى استغلال هذه القمة لتوطيد علاقات بلاده بإفريقيا وحشد دعمها في مواجهة ما يصفه بالهيمنة الأمريكية والاستعمار الغربي الجديد، والتحول نحو عالم متعدد الأقطاب.

استغلال الأمن الغذائي

عبّر البيان الختامي للقمة من بين أمور أخرى، عن قلق الدول المشاركة فيها إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة، وعن رفض هذه الدول لسياسة “العقوبات الأحادية غير المشروعة”، ومحاولات تجميد أرصدة الذهب والاحتياطيات النقدية.

وفي اليوم الأول من القمة، بادر بوتين إلى طرح مبادرة نقل الحبوب الروسية مجاناً أو تجارياً كبديل عن الحبوب الموردة من أوكرانيا إلى إفريقيا.

وكان موضوع الحبوب من القضايا المهمة على جدول أعمال القمة نظراً لأهميتها في إبعاد خطر المجاعة وتأمين الأمن الغذائي في البلدان الإفريقية، ولأن روسيا تبحث عن بدائل لتصدير الحبوب والمنتجات الغذائية والأسمدة والسلع الزراعية الأخرى بعد عرقلتها بسبب العقوبات الغربية عليها، وتسعى إلى تسويقها في البلدان الإفريقية.

ورغم أن هذه المبادرة تبدو خطوة إيجابية للبلدان الإفريقية في المرحلة الأولى، ولكنها لا تخلو من مخاطر استخدامها للضغط على هذه البلدان بهدف توسيع وترسيخ نفود موسكو في القارة على المدى الطويل، وهو ما تسعى إليه السياسة الخارجية الروسية منذ فترة طويلة.

وقد يتسبب اعتماد الدول الإفريقية على الحبوب الروسية فقط، بإضعافها وربطها بعجلة موسكو مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل الداخلية في بعض هذه الدول، في حين تكمن مصلحتها في التعاون مع أكثر من جهة لاستيراد الحبوب وتعزيز هياكلها الأساسية الزراعية في سياق الأمن الغذائي على المدى المتوسط والطويل.

ويبدو أن موسكو نجحت في استغلال الأمن الغذائي في إفريقيا لتوسيع وترسيخ نفوذها في القارة السمراء.

التفاف على الخطة الإفريقية

اقترحت الخطة الإفريقية لنزع فتيل الصراع في أوكرانيا خلال شهر حزيران الماضي، خطوات تضمنت سحب القوات الروسية، وإزالة أسلحتها النووية التكتيكية من بيلاروسيا، ووقف العمل بمذكرة المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال بوتين، وتخفيف العقوبات عن روسيا.

وفي رد ملتبس على هذه الخطة، قال بوتين إن موسكو تحترم المقترح وتدرسه بعناية، وأشار إلى أن أوكرانيا رفضت التفاوض معه بموجب مرسوم أصدرته كييف بعد فترة وجيزة من إعلانه ضم أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها روسيا جزئياً في أيلول الماضي.

وخلال القمة ألحّ زعماء أفارقة على بوتين كي يمضي قدماً في تنفيذ خطتهم للسلام لإنهاء الحرب الأوكرانية، وتجديد اتفاق تصدير الحبوب الذي انسحبت منه موسكو.

وأكدت كلماتهم قلق إفريقيا من عواقب الحرب وتأثيرها على ارتفاع أسعار المواد الغذائية،

وقال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “يتعين إنهاء هذه الحرب، ولا يمكن أن تنتهي إلّا على أساس العدل والمنطق”.

وأضاف “يتعين إنهاء الاضطرابات في إمدادات الطاقة والحبوب على الفور، وتمديد اتفاق الحبوب لمصلحة جميع شعوب العالم، لا سيما الأفارقة”.

ويبدو أن موسكو نجحت أيضاً في الالتفاف على هذه المطالب بالتركيز على أولوية الأمن الغذائي، ونقل الحبوب الروسية مجاناً أو تجارياً إلى إفريقيا.