لكل السوريين

كيف يساهم القانون السوري باستفحال “التحرش” بالنساء

تقرير/ جمانة الخالد

لم تستطع مريم البوح لزوجها ما حدث لها عند أحد مواقف سرافيس النقل العام، بأن شاباً تعمّد ملامسة أجزاء حساسة بجسدها، الأمر لا يقتصر عليها فقط فهناك الكثير من النساء والفتيات يعانين من التحرش في وسائط النقل العامة والشوارع وحتى وسائل التواصل الاجتماعي.

كذلك الحال بالنسبة لسعاد الطالبة بكلية التربية بحماة، والتي لم تدخر وسيلة للهرب من تحرش و”تلطيش” شاباً يقطن في ذات حارتها، تعتبر سعاد ومثيلاتها أن الصمت أفضل من البوح بالتحرش إذ أن اللوم سيُلقى عليها.

يتساهل القانون السوري مع المتحرش، ودائما ما يلوم المجتمع الضحية على هذه الحوادث، التحرش سواء كان “لفظيا أو جسديا” ظاهرة تنتشر في المجتمع وتُعد شكلا من أشكال انتهاك حقوق المرأة، وتُعتبر تعدّيا على خصوصيتها ومساحتها الآمنة.

في قانون العقوبات السوري تتناول هذه الجريمة، المادة /506 / التي تنص على أن كل من يتعرض لقاصر لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها أو فتاة أو امرأة تجاوزت الـ 15 من عمرها من خلال فعلٍ مخلّ بالآداب العامة أو مخاطبة أحدهم بالكلام الفاضح، عوقب عليهم بالحبس من يوم إلى ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة سورية، وهو ما تعتبره النساء تساهلا مع المتحرش، ذلك لأن المبلغ المذكور لا يشتري سندويشة فلافل، ولا يُعرف حقا سبب عدم تعديل هذه العقوبة في القانون السوري حتى الآن، رغم التضخم الكبير في البلاد.

أشكال التحرش كثيرة، فمثلا تبدأ بالغمز واستخدام عبارات “التلطيش” وهي متنوعة منها ما يعتمد على إطلاق تعابير حول جمال الفتاة، ومنها ما يحمل إيحاءات جنسية وألفاظ نابية، وهو أسلوب أيضا يلاحظه قانون التحرش في سوريا.

أما الجزء الثاني فهو التحرش الجسدي المباشر أو الملامسة ويأتي غالبا في وسائل النقل العامة، كأن يجلس ذكر في مقعد السيرفيس ويحرك ساقيه للاحتكاك بالفتاة، أو أن يمدّ أحدهم يده مستغلا الازدحام لملامسة جسد فتاة كما يحدث على طوابير النقل والخبز وغيرها.

المؤسف في هذه القضية أن معظم الحالات من هذا النوع تنتهي بصمت الفتيات عنها، نظرا لتساهل القانون مع المتحرش من جهة، وللنظرة المجتمعية للفتاة من جهة أخرى.

لكن النساء في معظم المجتمعات السورية لا سيما في مجتمع محافظ كأهالي محافظة حماة وسط سوريا، يمِلن للسكوت عن التحرش الذي يتعرضن له في الشارع والعمل وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لاعتبارات مجتمعية تعتبر ذلك “فضيحة” في وسط مجتمعي يلقي اللوم على النساء بدلا من مساعدتهنّ بفضح المتحرشين، ويبدأ بمنح المتحرش تبريرات تهاجم المرأة كالحديث عن ثيابها ومظهرها وما إلى هنالك من ذرائع واهية لتبرير جريمة التحرش.

في سوريا، لا يوجد قانون للتحرش وإنما هناك مواد في قانون العقوبات السوري تتناول هذا الموضوع علما أنه قانون موضوع من العام 194،. ولم تشمل مواده المتعلقة بالتحرش أي تعديل منذ ذلك الحين. ويذكر موضوع التحرش ضمن قانون العقوبات السوري في كل من مواده 505 و506 و507 التي يرى حقوقيون أنها فشلت في إيجاد نص قانوني يضمن حقوق المرأة في حال تعرضت للتحرش.

حيث تذكر هذه المواد أنه يعاقب “المتحرش” بشكل مادي “جسديا” بالسجن لمدة أقصاها سنة ونصف، أما التحرش اللفظي فعقوبته إما غرامة 75 ليرة أو السجن مدة أقصاها ثلاثة أيام أو كلاهما معا، ووفق وجهة نظر الشباب والشابات، فإن عدم وجود رادع قانوني بظل غياب الوازع الأخلاقي يمنح الفرصة للمتحرشين بفعل السوء أكثر وأكثر.

وغالبا ما تلجأ الفتيات لأصدقائها أو تجلس وحيدة حتى تنسى آثار التحرشات التي تلحق بها من قبل المارة في الشوارع أو الأماكن العامة، لأن بعض “التلطيشات” تؤثّر بشكل كبير على نفسية الفتيات، وخاصة الصغيرات في السن ولا يملكن الوعي الكافي لهكذا كلام بذيء قد يسمعونها لأول مرة في حياتهن.

من جانب آخر، فإن ردع ووضع حد لحوادث التحرش في الأماكن العامة أو حتى في أماكن العمل يبدو صعبا، نظرا لهروب المتحرش في أغلب الأحيان وخاصة إلى كان في الأماكن العامة المزدحمة، فضلا عن تساهل القانون والوصمة المجتمعية، وعدم وقوف المجتمع وحتى الأهالي مع الضحية.

يساهم وجود ثغرات واسعة في القوانين بشكل غير مباشر في حدوث هكذا حوادث، فضلا عن خلق مساحة مجتمعية رافضة للعديد من حقوق النساء، إلى جانب عدم توافر ثقافة الشكاوى لدى نسبة كبيرة من الفتيات.

فعندما وضع القانون السوري غرامة 75 ليرة عام 1949 كانت تمثل غرامة مالية مقبولة بالنسبة لتلك المرحلة الزمنية كان يعادل قرابة 35 دولار أميركي، بينما اليوم 100 ضعف منه لا تعادل سنتات من الدولار الأميركي، ما يجعل النص القانوني يفتقر للتطوير والتحديث ولا يتناسب مع المرحلة. علما أن أرخص سندويشة فلافل في سوريا اليوم ثمنها 5 آلاف ليرة سورية.