لكل السوريين

ملك مختار.. فنانة الغيمة واللون وحكايات عفرين المبتلة برائحة السُّماق

في عمق هذا الصخب الأحمر المحيط الذي يمتد في خلايا الروح البشري وقصص القتل الرمادية، التي تلتف على أجساد الصغار في أوطاننا، كان لا بد أن يظهر اتجاه آخر يجاور أحلامنا التي فقدناه في ظل الاغتراب البارد والجاف في أقصى هذا العالم.

التقيت ملك مختار أو “فِلهْ” هكذا كنا نسميها في لغتنا نحن مَن يتقن رائحة السُّماق والزبيب الكردي في قريتنا “MABETA”، تلك القرية الطفلة التي تخفي في ألوانها أطفال ينامون في مفردات الأصابع المتعبة بين أزقة غادرتها وحقول زيتونة تجاورها، التقينا وملك مختار الطفلة التي غادرتها مع أزقة “ماباتا” أو “MABETA” لتحاصرنا فنانة تسكنها غيمة تشبه أنوثتها القادمة من الدفء “العفريني”، لتولد ضباب صباحات البرد أو ربما حكاياتها المبتلة بألوان تشبهها وأحلام تتكدس في زوايا غرفتها بمساحات قلبها الصغير.

للونٍ أو الخطٍّ أو التكوينٍ دلالته الرمزيَّة لدى ملك مختار لتعبر عن هواجس وقلاقل وأفكار وأحياناً ابتسامات الخجل في صورة أجمل من بقايا القادمات بألوان التاريخ، في محاولة في غاية الصعوبة لإيصال تنهداتها للمتلقي العادي والمهتم والثاقب، تتحدث ملك مختار بلغة الصمت الحارقة وتكتب بلغة اللوحة التشكيليَّة بكل أشيائه اللون، الحركة، الريشة، الروح، المفردات، التكوين الخطي والنصي.

هذه التركيبات اللونية التي تجمع بين الداكن والفاتح والأسود والأبيض وفي أجواء الاحمر والأصفر والأخضر والبنفسج و.. و..، تتشابك لا بل تتحارب بلطف وهدوء في قرب العين عنها، وبصخب متنقل بين أشياء جسد اللوحة في بُعد عينك عنها فيما مشاعر ملك الوحيدة، وعبر شفافية الضربة ورسم خطها العاكس أحيانًا والناقل أحيانا أخرى التي تقود ثورة رسالتها الأنثوية، وعلى حامل نصها الروحي، لتؤلف قصص الماء والرمان والزبيب العفريني.

قصص اللون والمفردة لدى مختار تحتوي كل رموز الحياة من الولادة والموت والحب، الحزن الثورة والحرب والهدوء، الدفء، وحتى الدم، والنار، والشمس والأخضر والطبيعة، والسلام، والأمل.

في مساحة البورتريه اللوحة التي تتلاعب لعبتها اللونية ومفردات روحها، حيث الأحمر الذي يلون تاريخ الشرق، ويذكر بالعزة والرحلة السورية الطويلة والطويلة جدا، تحاول هذه الـ “ملكُ” أن تحيط رؤانا بمزيد من التيه في فضاء متلاحق من ليال “ماباتا”، قريتها التي باتت ملهى أحلامها الصغيرة، وكتاباً مقدساً لأيمكن للبشر العادي قراءتها.

وفي محاولة لذيذة من مَلكْ، وفي تتبع واضح لأثر نصوصها تنقلك إلى الزوايا المخفية في لوحاتها وبأدواتها وتقنياتها..!! إن البقعة الترابية التي شكلتها “ماباتا” القرية الطفلة والتي عاشتها التشكيلية في مساحات حلمها جعلتها تعيش أساطير وحكايات جدتها “زَلهْ”، دون أن تغلق باب حكايتها الصغيرة، محاولة البحث الدائم عن مساحات أكثر كبراً من حلمها، وتخرج الفضاءات اللون الواسع والواسع جداً، مستلهمة نصوصها الدرامية الملونة من الطبيعة وتحولاتها، وما بين عناصر الحياة وبريشة ألونها الحادة حيناً ورقيقة شفّافة حيناً آخر.

ملك مختار ولدت في قرية “MABETA” المعربة بـ  “معبطلي” التابعة لعفرين المحتلة من قبل تركيا وكتائبها السورية، درست الموسيقا عام 2005 في معهد خاص، وساهمت مع بعض الأصدقاء في تأسيس معهد ودار موسيقي خاص في قريتها عام 2010،  وعملت مدربة موسيقى لأطفال القرية ضمن فرقة موسيقية كانت هي نفسها وأصدقاء لها عام 2010 في عفرين السورية، وعملت أيضاً كمدربة ومصممة لبعض اللوحات الفولكلورية الراقصة، وفي عام 2016 قدمت مسرحية صامتة بعنوان “الرحيل” على إحدى خشبات المسرح في الدنمارك،  بالإضافة إلى الفن التشكيلي الذي درسته في معاهد حلب الخاصة، وقدمت العديد من النشاطات التشكيلية من معارض فردية وجماعية في كل من الدنمارك وفرنسا وألمانيا.

“MABETA” قرية الفنانة تابعة لعفرين السورية بريف حلب الشمالي، تقع في الزاوية الشمالية الغربية لسوريا.

إعداد/ إبراهيم إبراهيم