لكل السوريين

الابتزاز باللاجئين

ليست المرة الأولى التي تستخدم تركيا ورقة اللاجئين لتهديد وابتزاز أوروبا سياسيًّا واقتصاديًّا، بعد أن فتحت حدودها لهم للعبور إلى الدول الأوروبية، والادعاء أنها ليست بوضع يمكنها فيه ضبط هؤلاء اللاجئين” ليس صحيحا، فحركة انتقال الباصات المحملة إلى الحدود محضرة مسبقا ومرئية أمام الكاميرات المسربة، حيث تم تجميع أعداد هائلة قبل أن تسمع الصحافة، وقبل أن يتم إعلان فتح الحدود، وجاء ذلك مباشرة بعد خبر مقتل الجنود الأتراك، ما يعتبر محاولة للضغط على أوربا لمساندتها والاصطفاف معها بمواجهتها مع موسكو.

والمسألة لا تتعلق باللاجئين السوريين، فعدد الأفغان والأفارقة والآخرين من أنحاء العالم أكبر بكثير من السوريين في الدفعات الأولى، ما يؤدي إلى إمكانية تسلل عدد كبير من الارهابيين والمخربين بين هؤلاء.

الابتزاز صار عادة لدى الحاكم التركي، فهو تصرف بشيم الشوارعي المنتقم، وقاطع الطريق الذي يتمتع بعذابات طرائده، وبذلك دمر قيم الدولة التي حاول من سبقه تأطيرها لتناسب مجتما متحضرا يمكن أن يكون شريكا في الاتحاد الأوروبي، والاقتراب من حقوق الإنسان التي تجعل الطريق نحوه سالكا .

المتاجرة بقضايا اللاجئين مستمرة مع أول مخيم بني لاستقبال اللاجئين، وقبل أن يكون هناك لاجئ واحد، والابتزاز موجود مع تسلم الاخوان باب الاغاثة في المجلس الوطني واستخدامه في شراء الذمم، والتلاعب بعذابات المهجرين

تركيا من أكثر الدول استفادة من أزمة اللاجئين حيث الدعم المستمر لهم رغم افتعال الأزمات مع أوربا، كما حصل خلال العام 2016 فقد قدم المجتمع الدولي مليارات الدولارات بغاية إنشاء فرص عمل اقتصادية، وألزم المجتمع الدولي نفسه بإنشاء مئات آلاف الوظائف للاجئين وللمجتمعات المضيفة، وقدمت خططا تقوم على العنصرين الإنساني والإنمائي، بما في ذلك سبل كسب الرزق، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع المضيف. وكان للأثر الاقتصادي للاجئين السوريين والمساعدات الإنسانية مكانة كبيرة في المجتمع التركي.

ومع نزوح المدنيين السوريين نزحت رؤوس الأموال واليد العاملة السورية، مما فتح شهية الحكومة التركية وجعل فكرة استقبالهم مطروحة بلا تردد. حيث استقر أكثر من 95% من اللاجئين خارج المخيمات، وأصبحوا بذلك زبائن مهمين، يشترون السلع والخدمات المحلية التي يدفعون أجورها من مدخراتهم، ودخلهم من العمل، والحوالات التي تصلهم من الخارج، إضافة إلى المساعدات الإنسانية. وارتفعت أسعار العقارات والأجور عدة أضعاف استفاد منها المجتمع المحلي، وكذلك حققت المشروعات التجارية المحلية منافع من برامج المساعدات الإنسانية، بتعاقدها كجهات موردة للمنظمات غير الحكومية والهيئات الإنسانية. وإضافةً إلى ذلك كان لوصول رأس المال الخاص للاجئين السوريين وخبراتهم أثرٌ في تسريع نمو الأعمال في تركيا. وقد أصبحت المشروعات السورية محركاً مهماً لإنشاء الوظائف، وكذلك استفاد الاقتصاد من الآثار التبعية للاستثمارات التي أنشئت من أجل اللاجئين، مثال ذلك أنَّ بناء مخيم للاجئين ينشئ مصدراً للدخل ليس لقطاع شركة الإنشاء وحدها، بل للموردين الذين يقدمون المواد الإنشائية والعمالة. ثم يصرف هذا الدخل على البضائع والخدمات التي تنشئ بدورها أثاراً اقتصادية إضافية. وتعكس المضاعفات المالية كل هذه الأثار التبعية. وبذلك تحقق بسبب اللاجئين منافذ للدخل كثيرة عدا عن تهريب المعامل والمصانع والخبرات ورؤوس الأموال ‘لى تركيا .

مشكلة الحاكم التركي أنه يكذب علنا حين يدعي أن مئات آلاف من ادلب وحدها بدأوا بالتحرك تجاه الأراضي التركية، في وقت تقتل الجندرمة التركية كل من يتجاوز الحدود. ويهدد مرة أخرى بتكرار أزمة اللاجئين عام 2016 وتحميل أوربا نتائج ذلك. وهي عملية ابتزاز رخيصة هدفها طلب الدعم الأوروبي للموافقة على بقائه في ادلب وإدارتها لمنع الهجرة منها. وحيث أن استمرار حالة التوتر في إدلب وخلق المزيد من اللاجئين، تصب في مصلحة تركيا، فالتهديد باللاجئين يخدم قضايا الصراع التركي مع اليونان وقبرص خاصة، ويؤثر في الضغط حول عمليات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، والاتفاقية الأمنية – البحرية، الموقعة مع حكومة الوفاق الليبية، وبالنتيجة يستخدم هذه الورقة للضغط بالموقف الانساني ضد تقدم روسيا والجيش السوري الذي يسبب أزمة اللاجئين. إن الحاكم التركي يستخدم لغة الابتزاز عبر أحجار كبيرة مختلفة ولابد أن تقع إحداها على رأسه وقد بات ذلك قريبا.

رياض درار