لكل السوريين

ماذا فعلت الأزمة بالشعب السوري؟!

لم يكن المجتمع السوري بعيداً عن ما حل بالمجتمعات العربية الأخرى منذ بدء ما يسمى “بالربيع العربي”، فقد فرضت عليهم الأزمة واقعا غير الكثير من تفاصيل الحياة المعيشية وعلى الأعمال التي كانت مصدر الرزق الوحيد لدى الكثير من العائلات السورية.

وكان النصيب الأكبر من المعاناة هم الشبان ممن دمرت أحلامهم التي لطالما كانوا يحلمون بها، فالتغيير الذي أصبحوا مجبرين عليه لم يكن بالأمر السهل؛ فبدل الجلوس على مدرجات الجامعات، أصبح هناك مهن جديدة يعمل بها كل فرد منهم ليستطيع البقاء على قيد الحياة والخضوع للأمر الواقع.

ومن ثم ليستقل تجار الحروب العالمية الأوضاع التي تعيشها سوريا بكل أطيافها لتصبح من الدول الأكثر تعاطياً للمخدرات، بعد أن كانت هذه الظاهرة شبه معدومة في المجتمع السوري، لكونه من الشعوب المثقفة والأكثر حضارة في المنطقة.

فهم اليوم أصبحوا مجبرين على تحمل الإهانات والتشرد في الدول المجاورة والأوربية من أجل الحصول على حياة أفضل مما كانوا عليها، وبما أن هدفهم الوحيد هو الوصول عبر أي طريقة كانت إلى الدول الأوربية التي مدت لهم يد العون والمساعدة إلى أن الدول التي استغلت وجودهم ضمن أراضيها استخدمتهم كأوراق لعب تضعها في المكان الذي تريده.

وكان عدد كبير منهم قد لاذ بحياته وأهله وهاجر إلى الدول العربية والأوربية طالباً للعمل لا للعلم، كما كانت الأوضاع سابقاً، تاركين وراءهم عائلاتهم لا يعرفون أنهم سيلتقون بهم مرة أخرى أم لا، ومن هنا أصبحوا ما بين نارين نار النظام السوري الذي أعلن أن كل من غادر سوريا عبر الحدود الغير رسميا يعتبر مجرم وبين نار الدول التي أعطتهم الإقامات وعلى رأسها ألمانيا التي منعتهم من العودة إلى بلادهم الأساسية.

الدول التي استخدمت السوريين كسلعة للبيع هم نفسهم من يجلسون في المجالس الدولية ويتحدثون عن الرخاء الذي يعيشه السوريين على أراضيهم، أما على أرض الوقع فهناك دول تحاول الضغط على دول أخرى وفي مقدمتها الدولة التركية التي كانت يوما ما شقيقة إلى أن بانت نوياها الاستعمارية الدنيئة تجاه الشعب السوري.

الدولة التركية منذ بدء الأزمة السورية لم يخفى على أحد أنها الدولة الأولى في العالم التي تعمل منذ سنوات على رعاية الارهاب، وتزويده باحتياجاته اللازمة بالتعاون مع حليفتها قطر، فما إن تمكنت من خلق الفتنة بين السوريين حتى تدخلت وبشكل مباشر لتعمل على مشروعها العثماني وهو تحويل الشعب السوري إلى مرتزقة يقاتلون على المزاج التركي.

وبعد أن فتحت أبوابها أمام اللاجئين السوريين؛ لتظهر بمظهر الرجل المنقذ لهم من النظام البعثي الغاشم على حد تعبيرها، لتقوم بإغلاق الحدود أمامهم بعد أن أخذت جزء منهم وأصبح دخول تركية عبر الحدود المغلقة جريمة قد تودي بحياة الفرد منهم، كما تعرض لها المئات من السوريين من قتل وضرب على أيادي الجندرمة التركية.

ولم يختلف الواقع التركي كثيراً عن بقية الدول الأوربية، فهي الأخرى فتحت أبوابها أمامهم إلى فترة محدودة ومن ثم أصبح الوصول إليها حلم لدى الكثير من السوريين وجريمة لدى الأوربيين، ومن هنا استغلت تركيا هذا الموقف وأصبحت تهدد باللاجئين السوريين كل ما أحست بالضغط من الجانب الروسي نظراً للخلافات بينهم على أراضي سوريا.

ولم يقتصر الأمر على الشبان فقط، فكان هنالك الكثير منهم من أخرج من مناطقه قسراً أو اتخاذ الأماكن التي يسكنوها كمقرات للفصائل التي تسيطر على المنطقة بشكل عام، أو دمرت نتيجة النزاعات الدموية التي شهدتها معظم المحافظات السورية.

ولم يكن الفقراء والمساكين السوريين بعيدين عن هذه الأزمة، فقد لحقهم الجزء الأكبر من الإهانة، كونهم لا يملكون لقمة عيش لا لهم ولا لأطفالهم الذي يتضورون جوعاً، وليس باستطاعتهم المغادرة إلى دول أخرى لارتفاع تكاليف الهجرة التي أصبحت جريمة يحاسب عليها القانون.

فما كان أمامهم سوى الالتحاق بالفصائل القريبة منهم سواء كانت معارضة أو نظام ومنهم من التحق بداعش، ولكن لم يدركوا بأنها مؤامرة تحاك ضدهم حتى زُج بهم وسط ساحات القتال وقتل معظمهم، ما زاد الأمر سوء لعائلاتهم التي أصبحت مشردة بشكل كلي.

فهد الخلف