لكل السوريين

حقيقة المعارضة السورية (1)

بعد وفاة حافظ الأسد انتقلت السلطة إلى ابنه بشار الأسد الشاب المنفتح الذي تلقى ثقافته في الغرب وتأثر بقيم الديموقراطية الغربية، واستبشر الشعب السوري خيراً بعد ثلاثة عقود من الإستبداد والجفاء. وخاصة أن الرئيس الشاب وعد بالحرية والإنقتاح وتطوير مؤسسات المجتمع المدني وما شابه ذلك. ولكن يبدو أن الأطراف الأخرى في الأوليغارشية الحاكمة كان لها كلام آخر.

عندما يتحكم الإستبداد بمجتمع ما، يبعد المجتمع عن التطور الطبيعي ويرغمه على التكيف مع مقاييس السلطة، وخاصة على صعيد حرية الفكر والرأي السياسي. ولهذا كان المجتمع السوري بعيداً عن التطور الطبيعي، وخاصة على صعيد المعارضة السياسية. فأغلب الذين كان لهم رأي سياسي معارض إما كانوا في السجون أو هجروا إلى الخارج أو مستسلمين للنظام الحاكم. فجاء “ربيع دمشق” الذي رافق الرئيس الشاب ضعيفاً واهناً، وخاصة أن هذا الربيع كان تحت أنظار ورقابة الأجهزة الأمنية العديدة التي كانت تعد أنفاس كل فرد سوري. وكان لبعض الناشطين في هذا الربيع علاقات مع شخصيات هربت فيما مضى إلى خارج سوريا.

القوى الخارجية التي لها حسابات على سوريا كانت تراقب الوضع عن كثب، ولهذا حاولت التأثير في هذا المجرى بسبل وأساليب ووسائل متنوعة. ويمكننا الفصل بينها على النحو التالي، القوى الغربية بدأت في التواصل مع الشخصيات الموجودة لديها وأعربت عن دعمها ومساندتها مادياً وسياسياً لهذه المساعي، وبدأت ببث الدعاية اللازمة لتعويمهم لدى الرأي العام، وهكذا استطاعت لم شمل بعض القوى فيما سمي بـ”إعلان دمشق”. ثم الإخوان المسلمون الذين كان لهم باع طويل في الصراع مع النظام منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وأغلبهم كان يقيم في الخارج ينتظر الفرصة المناسبة للتدخل في سوريا، ويتخذ مواقع له في الدول المجاورة لسوريا إستعداداً للتدخل. ورغم مساهمة الإخوان المسلمين في الترتيب لإعلان دمشق إلا أنهم لم يكونوا في الصورة عند الإعلان عنه، بل أعربوا عن تأييدهم له في اليوم التالي للإعلان. ثم تركيا التي كانت تستعد للمشاركة في تأسيس الشرق الأوسط الجديد منذ الإعلان عنه بعد إخراج صدام من الكويت.

ومن ضرورات التغييرات المرتقبة في الشرق الأوسط وإستعداد تركيا لهذا التغيير أوتي بـ”أردوغان” إلى السلطة بعد أن تم تأسيس حزب له على عجالة. فقام أردوغان بتوثيق علاقاته مع رأس النظام السوري، منذ أن وصل أردوغان إلى السلطة، وهدف تركيا هو جعل سوريا مستعمرة تركية بالحسنى أو بالإرغام أملاً في تحقيق المشروع الحلم لحكام تركيا وهو مشروع “الميثاق الميللي”، فذلك أسلوب متبع على مدى التاريخ العثماني. فرغم صداقته الشخصية مع رأس النظام كان أردوغان يستقبل الإخوان المسلمين وإستثماراتهم في تركيا، بحيث باتت سوريا مستعمرة تركية إقتصادياً، وكل شخصيات المعارضة السورية كانت إما مقيمة في تركيا أو لها علاقة وثيقة بها. وخاصة أطراف إعلان دمشق.

لا شك أن الشعب السوري كان تواقاً إلى الحرية والديموقراطية بعد عقود من الإستبداد والقمع ونهب خيرات البلاد ليبقى الشعب في فقر مدقع. والأجواء كانت مواتية على الصعيد العالمي، وعندما حدثت الشرارة الأولى من درعا هب الشعب السوري للمطالبة بما يحلم به. ولكن النظام لم يكن مستعداً لقبول أي تغيير في نهجه، واعتقد أنه قادر على إسكات الشعب ببعض الوعود البراقة وبالقبضة الحديدية. الشعب لم يبالي بالوعود نظراً لخبرته السابقة مع النظام. فما كان من النظام إلا أن يلجأ إلى القمع اللامحدود.

هذا الوضع المستجد دفع كل القوى المهتمة بالتغيير في سوريا إلى أن تجعل من تركيا رأس الحربة في التدخل في سوريا، فهي كانت تحتضن كل المعارضة السورية وتقيم مؤتمراتهم وتتدخل في شؤونهم بما فيها علاقاتهم مع بعضهم البعض بما يتناسب مع مصالحها هي، وعلى راس ذلك حرمان الكرد من أية حقوق ديموقراطية في سوريا المستقبل، ولهذا كانت تدفع بأطراف المعارضة إلى جعل الكرد ملحقاً تابعاً لهم من دون تقديم أية وعود بالحقوق الديموقراطية تحت أي ظرف كان. وهكذا بدأت الثورة السورية تنحرف عن مسارها وصولاً إلى يومنا هذا. وسيكون لنا مقال آخر عن هذه الحقائق.