لكل السوريين

حين تتضارب مصالح الشعوب مع مصالح القوى الإقليمية والدولية!

إنها جغرافيا جميلة تقع في أقصى غرب آسيا وفي وقلب العالم القديم تاريخها آثارها وأوابدها تشهد على مكانتها وأهميتها صدرت للعالم، وللإنسانية الكثير الكثير من المعارف والعلوم، ومنها أول لغة مكتوبة، كانت طريقاً تجارياً عالمياً منها عبرت البضائع ذهاباً واياباً، لم تقطع طريق أحد ولم تمنع أحد.. نعم إنها بلد الجمال والحضارة إنها سوريا.. ما حظيت به من نعمة الموقع ونعمة الطبيعة لم يشفع لها عبر تاريخها الطويل الممتد لآلاف السنين من أطماع الغزاة، وحقد الطغاة ما حول أرضها إلى مسرح لأخطر وأقذر الحروب عبر التاريخ وتناوب على احتلالها الكثير من الطغاة والجبابرة لتكون عبر تاريخها أول الأهداف الاستراتيجية لكل مملكة أو إمبراطورية، أو دولة صاعدة النفوذ في المنطقة.

هذه لمحة أو عنوان لتاريخ هذا البلد العريق الأصيل، ومنه ننطلق إلى ما يجري في عصرنا هذا.

بعد عهودٍ طويلة من حكمٍ استبدادي جائر لنظام شوفيني شمولي صادر كافة الحريات، ومنع جميع أشكال الحياة السياسية واستثمر موارد البلد، وحرم أهلها من خيراتها كان لابد من انفجار هذا الوضع نتيجة تراكم الضغط وهذا ما حصل مع بداية الحراك الثوري ضد نظام الأسد في مطلع ٢٠١١ سرعان ما اتسع هذا الحراك، وانتشر مثل النار في الهشيم في كافة الأنحاء السورية كان من حق هذه الشعوب التي عانت لسنين طويلة من قبضة المستبد أن تحلم بالحرية وشكل جديد لنظام الحكم يمنحها حقوقها ويصون كرامتها.

أخذ الحراك شكلاً أكثر تنظيماً، واتسعت قاعدته الشعبية، وقد اعترف رأس النظام حينها بسلمية وتنظيم هذا الحراك لمدة ستة أشهر، لكن سرعان ما تحول هذا الحراك من قضية شعبٍ حالمٍ بالحرية إلى ساحة للتدخلات الدولية، والحسابات الإقليمية.

في بداية الحراك اعترفت معظم الدول بمشروعية هذا الحراك، وأعلنت الكثير من الدول دعمها للمطالب الشعبية، ولكن ما جرى بعد ذلك نتيجة التدخلات الخارجية هو انزلاق هذا الحراك في مطب الحسابات، والمصالح الدولية المتضاربة لتصبح الساحة السورية مسرحاً دولياً، وتشكل على حدودها غرف إدارة العمليات، وتوجيه الدعم وتسليح الأطراف المتصارعة، وتشكيل التنظيمات المسلحة، وتحويل الملفات والقضايا الحاصلة من جرائم وتصفيات إلى أوراق ضغط، وابتزاز للأطراف المتدخلة .

لم يقف الوضع عند هذا الحد بل بدأت الأطراف الخارجية بإعادة رسم خرائط المنطقة ,وتقسيم الجغرافيا السورية  كل طرفٍ وفق مصالحه الاستراتيجية، وهكذا بدأت كرة الثلج السورية بالتدحرج، والاتساع ليزداد الخناق في داخلها على الشعب السوري.

من كل هذا نرى أن المواقف، والاستراتيجيات الدولة لم تعمل يوماً لصالح مطامح الشعب السوري، بل دائماً كانت تبني سياساتها وفق مصالحها, وهذا ما عقد الوضع بسبب تضارب مصالح هذه الدول مع بعضها البعض، وجميع هذه الحسابات لا تصب في صالح الشعب السوري.

استطاع النظام السوري من خلال اللعب على حبال هذه المصالح و التناقضات وجعل نفسه في مركزها وداخل كل المعادلات الدولية المطروحة، الحفاظ على وجوده مع استمرار هذه التناقضات ليتحول إلى ركن أساسي من حسابات بعض الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري، منها إيران وروسيا والصين وبهذا منح نفسه الكثير من الوقت ليعيد ترتيب أوراقه ويقضي على  معارضيه، حتى أن النظام السوري من خلال برغماتيته وحلفائه استطاع خلق تقاطعات دولية مع ألد أعدائه كما يزعم تركيا.. قطر وأجسام المعارضة التي انبثقت عن إتلاف قوى الثورة والمعارضة، والذي عمل لصالح أجندات الدول التي ترعاه مبتعداً عن مسار الحراك وطموح التغيير لدى الشعب السوري.

جميع المشاريع التي طرحت من حلول سياسية وغيرها لم تبنى على أساس مصالح الشعب السوري بل بنيت بأيدي غريبة،

وهذا ما يفسر عزلة مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من قبل جميع الأطراف، لأن هذا المشروع هو نتاج محلي بني في الداخل السوري ولم يبنى من قبل دولة أخرى فتقوم بفرضه من خلال نفوذها على المجتمع الدولي، وهذا ما يعطي مشروع الإدارة الذاتية عمقاً سورياً متجذراً كما هو تاريخ هذا الشعب.

وهذا ما يفسر شدة العداء لهذا المشروع من قبل القوى الإقليمية التي تسعى لتعويم مشاريعها التي تخدم مصالحها على حساب مصالح شعوب المنطقة، ويفسر موقف النظام السوري المعادي لهذا المشروع، فعقلية هذا النظام بنيت على الاستبداد والحكم المركزي الشمولي، ولم يقترب يوماً من طموحات الشعب بل  على العكس استمد قوته ومشروعيته في الحكم من الخارج.

أما مشروع الإدارة الذاتية بني على القاعدة الجماهيرية الشعبية التي يستمد منها قوته ومشروعيته.

الخلاصة الشعب السوري الثائر يحتاج إلى مشاريع محلية تدار بأيد سورية بعيدة عن الأطر الخارجية و الأجندات المشبوهة.