لكل السوريين

الحسكة المنكوبة.. أزمة المياه تصل إلى أعلى المستويات, وناشطون يدعون لتحرك دولي

حاوره/مجد محمد

ظهرت أزمة المياه في مدينة الحسكة وريفها الجنوبي وكذلك الشمال الشرقي وصولاً لناحية تل تمر على وجه الخصوص، بعد احتلال الدولة التركية ومرتزقتها مدينة رأس العين، فلم تكتفي الدولة التركية باحتلال المدينة فقط، بل قامت بالكثير من الأعمال التي انتهكت فيها حقوق الأنسان، دمرت المرافق الحيوية والبنى التحتية في المدينة، حاولت إشعال الفتن بين المكونات، واستهدفت محطة علوك المحطة الرئيسية التي تمد مدينة الحسكة وبلداتها وأريافها، وقطعت مياه الشرب عنها وإيقاف ضخ المياه من محطة علوك المغذية لحوالي مليون ونصف المليون نسمة.

ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا تواصل دولة الاحتلال التركي استخدام السلاح المائي ضد السوريين في شمال شرق البلاد، حيث يعمد جيش الاحتلال ومرتزقته إلى قطع مياه الشرب من مضخة علوك بغية الضغط على المواطنين، وللحديث عن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا في الحسكة حواراً مطولاً مع الاستاذ خليل الطه، الإداري في مديرية المياه بالحسكة، ودار الحوار التالي:

*استاذ خليل مرحباً بك بداية، محطة علوك تعتبر الحدث الأبرز، والمحطة الأشهر بالعالم في الخمس سنوات الماضية، كيف تم الاعتماد عليها فقط لتغذية مركز المحافظة والريف التابع لها؟ وهل هي مشروع حيوي مهم لهذه الدرجة ؟

اهلا بك، كانت تعتبر المحطة من المشاريع الثانوية وليست الرئيسية في تأمين مياه الشرب لمدينة الحسكة مركز المحافظة، حيث بدأ التفكير بشكل جدي بإنشائها عند بدأ التنبؤ بأن السدود المائية في محيط مدينة الحسكة بدأت بالنفاذ، ولم تعد تلبي كافة احتياجات المدينة مع التوسع السكاني فيها، وانطلق إنشاء مشروع آبار محطة علوك (والتي سميت نسبة للقرية التي حفرت بها الآبار) حيث تم في البداية حفر /30/ بئراً فيها عام 2010 م، بعدها تم تنفيذ الأعمال المدنية والميكانيكية والكهربائية وخط الجر الرئيسي قطر 1200مم والانتهاء منها بتاريخ 6-6-2011م، وتم استثمار المحطة ودخولها العمل الفعلي في شهر تموز عام 2013م مع الانخفاض الشديد جداً في مياه بحيرة سد البعث (الغربي) التي كانت مصدر مياه الشرب لمدينة الحسكة من محطة الحمة، وفي عام 2018م تم حفر أربعة آبار احتياطية داخل تصوينه المحطة ليصبح عدد الآبار الكلي /34/ بئراً، حيث تصل غزارة كل بئر من الآبار 34 بحدود 200م3/سا وتم ربطها بخطوط تجميع تصب في خزان ارضي رئيسي داخل محطة مياه علوك السعة التخزينية 10 ألاف م3، وتضخ المياه من الخزان الأراضي في علوك بواسطة مضخات أفقية عددها /12/ مضخة غزارة كل واحدة منها 750م3/سا إلى خط الجر الرئيسي قطر 1200م وبطول 67كم إلى خزانات التجميع في محطة الحمة القريبة من مدينة الحسكة والتي سعتها 30 ألف م3، ومنها يتم توزيع المياه إلى أحياء مدينة الحسكة، ويوجد في المحطة مجموعات توليد كهربائية عدد 4 منها 2 استطاعة 880ك.ف.أ، وواحدة استطاعة 1500 ك.ف.أ ، والأخيرة استطاعة 1650 ك.ف.أ وهي بحاجة لصيانة دورية وإلى كميات كبيرة من المازوت، وتصل إنتاجية المحطة التصحيحية 1،6م3/ثا منها 0،2م3/ثا لبلدة تل تمر و1،4م3/ثا لمدينة الحسكة، والتي تغذي ما يقارب مليون ونص المليون مدني في مدينة الحسكة وبلدة تل تمر والقرى المحيطة والريف الغربي من المحافظة.

*للأسف جميع ما ذكرته اصبح من الماضي، فجميعنا رأينا كيف مرتزقة الاحتلال التركي قاموا بسرقة معداتها وتخريبها، ما الحل؟ أيعقل أن يبقى الشعب معلق آماله على محطة علوك؟

قمنا كمؤسسة مياه في الإدارة بمشروع محطة الحمة في صيف 2020 والذي تكلل بالفشل الذريع منذ أول يوم له، حيث حفرنا 50 بئراً يغذي هذه المحطة كحل إسعافي، وبعد تجهيز المشروع وتشغيله لم تنتج الآبار مياه سوى لمدة عشر دقائق منذرة بالفشل، بسبب قلة المياه الجوفية في المدينة، وقمنا ايضاً بمشروع آخر وهو استجرار مياه نهر الفرات إلى مدينة الحسكة ، ولكن المشروع منذ البداية أعلنا أنه ليس بديل لمحطة علوك لأن وارد المياه فيه قليل لا يسد حاجة المدينة، وتقدر بين 15و 20متر مكعب في اليوم، واستفاد منه فقط عشرون بالمئة من أهالي المدينة، ناهيك عن بدء جفاف الفرات إطلاقاً، وعند انتهاء المشروع تم العمل به لمدة شهر او اكثر تقريباً، ولكن تم ايقافه أيضاً بسبب دنو وانخفاض منسوب نهر الفرات، فواقعياً لا بديل عن محطة علوك إلا محطة علوك ذاتها، بسبب عدم توفر المياه الجوفية الخصبة والغزيرة إلا في منطقة رأس العين المحتلة.

*والدول الضامنة، والدول التي دخلت كوسيط لتحييد محطة علوك عن النزاع، ماذا بشأنها؟

كمؤسسات إدارة ذاتية، وأيضا مؤسسات الحكومة السورية مع الاهالي، دائماً ما كنا نصدر بيانات للرأي العام ونقف وقفات احتجاجية في العام الحالي وكذلك العام المنصرم ،وأيضاً الأعوام التي سبقته، لكن لا حياة لمن تنادي، ففي صيف 2019 تدخلت الولايات المتحدة كوسيط مع تركيا من أجل تحييد محطة علوك، تم حينها إدخال عمال مؤسسة المياه مع الصليب الاحمر لصيانة المحطة، وما أن عملت المحطة لمدة 15 يوماً، تم إعادة إيقافها من قبل الاحتلال التركي، وفي أعوام 2020ـ2021 تم عقد اتفاقية برعاية الوسيط الروسي وهي الماء مقابل الكهرباء، تم العمل في هذه الاتفاقية أيضا لأيام معدودة، وسرعان ما يخلف الاحتلال التركي بوعوده ويعود لقطع المياه وايقاف المحطة.

*الآن بسبب انعدام المياه في الحسكة، تم الإعلان أن مدينة الحسكة مدينة منكوبة، وكمؤسسة مياه اعلنتم أيضاً حالة الطوارئ، وهذا ليس الإعلان الأول ففي صيف العام المنصرم اعلنتم حالة الطوارئ أيضاً، ما الاجراءات التابعة لذلك؟

ما إن قمنا بإعلان أن مدينة الحسكة منكوبة وإعلان حالة الطوارئ فيها، حتى ظهر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذر فيه من أن قطع المياه المغذية لمدن شمال شرقي سوريا يعرّض حياة نحو مليون ونصف المليون شخص للخطر، خصوصاً في ضل ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة القبة الحرارية وتغير المناخ، كمديرية مياه وضعنا كافة صهاريج المؤسسة في خدمة توزيع المياه للأهالي في الاحياء، وكذلك قام مجلس مقاطعة القامشلي بأرسال قافلة صهاريج تحتوي على 40 صهريجاً محملاً بالمياه لتوزيعها على الأهالي، ولكن فعلياً جميع هذه الإجراءات لن تفي بالغرض، فمدينة الحسكة كبيرة جداً ويقطنها عدد كبير من الأهالي وكذلك قاطنين من محافظات أخرى كدير الزور وحمص وحلب ومحافظات أخرى متفرقة ناهيك ايضاً عن وجود مخيمين فيها (واشو كاني، وسري كانيه) لنازحي مدينة رأس العين ومخيم العريشة أيضاً.

*الأهالي لم تعد تحتمل، المياه من الصهاريج الخاصة باتت تشكل عبئ كبير، والغالبية أنهكهم شراء المياه ولم يعد يقوى على شراؤها، ما إجراءات ذلك؟

نحن نعلم هذا الشيء، الصهاريج الخاصة اليوم تقوم ببيع خزان المياه سعة 5 براميل بسعر 15 الف ليرة سورية، والأهالي الساكنين في المربع الأمني يقومون بشراء خزان المياه سعة 5 براميل بسعر 25 الف ليرة سورية، وهذا بسبب انعدام ثقافة الشكوى لدى الشعب، فنحن حددنا سعر المياه التي تباع عبر الصهاريج الخاصة بسعر رمزي، ووضعنا عدة ارقام للشكوى، ولكن للأسف وردنا شكاوي قليلة جداً وتم تغريم أصحاب الصهاريج عملاً بها، وأيضاً نقوم بجولات دورية ضمن الأحياء لمخالفة أصحاب الصهاريج المخالفين ولكن حسب رأي الشارع أنه بسبب انعدام المياه وقلة الصهاريج نضطر لشراؤها بالسعر الذي يفرضه علينا البائع الذي يتحكم بالسعر على هواه متحججاً بغلاء اسعار المحروقات وكذلك قطع التبديل والصيانة في الصناعة التي اقترنت بالدولار.

*منذ الاحتلال التركي لرأس العين، تم قطع المياه ل 36 مرة، ألا يعتبر هذا الفعل إبادة جماعية ترتكبها قوات الاحتلال التركي بحق الشعب الأعزل في الحسكة؟

بالتأكيد، قطع المياه يعتبر جريمة حسب القانون الدولي ويندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية، ولكن للأسف العالم والمنظمات العالمية يقف متفرجاً، ولا يحرك ساكناً، فالمحتل التركي يتفنن في ممارسة سياسته العدوانية الممنهجة بالأساليب المختلفة تارة بالقصف العشوائي اليومي لمناطق آهلة بالسكان المدنيين، وتارة بالطائرات المسيرة التي تمارس في حربها ضد أبناء المنطقة بكافة مكونتها، وأبرزها تعطيش مليون ونصف المليون من المدنيين العزل دافعاً بهم إلى الموت عطشاً، مرتكباً إبادة جماعية على أنظار المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً.

*ختاماً، كلمة أخيرة تحب ان تضيفها، المجال مفتوح لك…

نناشد المنظمات الدولية وحقوق الإنسان والتحالف الدولي والضامن الروسي والصليب الدولي وجميع القوى بالتدخل من أجل الضغط على الدولة التركية لتشغيل محطة علوك بكامل قوتها وضخها النظامي وتحييد محطة علوك عن النزاعات العسكرية والسياسية، وكذلك عودة المنظمات الإنسانية التي كان تعمل في مجال توزيع المياه عبر الصهاريج مثل الأعوام السابقة، وتجديد عقودها للعام الحالي لأن الأزمة لم تنته بعد.