لكل السوريين

قصة قصيرةابن العم البغيض

عبد الكريم البليخ

خطر له أن يقود دراجته بمفرده، بعد أن أهملها سنوات مركونة إلى جانب دار اللُبن الآيلة للسقوط، في القرية التي ولد وعاش فيها والده مطلع شبابه، وهي تقوم إلى عدد من الغرف الإسمنتية التي تم بناؤها حديثاً بعد أن تداعت الغرف البقية المبنية من الحجر الغشيم قبل سنوات خلت، وبقي قائماً منها غرفة وحيدة ظلت تذكره بذلك الزمن الجميل الذي صار يتداعى يوماً بعد آخر.. وكان إلى جانب تلك الغرفة المسقوفة من الأعمدة الخشبية وأعواد الزل، تتناثر بعض الألعاب التي كان يلهو بها في صغره ما زال يحتفظ  بعدد منها.

فرح نايف بركوب دراجته بعد اهماله لها لسنوات، فكانت فرحته عارمة لم تكن تضاهيها فرحة أخرى، وإلى جانبه كان يقف صديق طفولته ورفيق دربه حسن ـ ابن عمه ـ الذي يكبره بعامين، الذي طالما كان يناديه بالأبله. لغته الحاضرة التي كان يُعنّف بها صديقه وقريبه الحميم!

هكذا كان يصرخ به، وبالفم الملآن، وبحضور أعمامه الشباب الذين يقيمون في بيت جده، فضلاً عن أهالي القرية البقية، وكان يتقصد بذلك إثارته والاساءة له!

صبر نايف على ابن عمه كثيراً، وكان تنبيهه له في هذه المرة بأن حمل بيديه عصاً غليظة وراح يضرب بها على مؤخرته ردعاً على ما يسخر به، وبكل ما أوتي من قوّة.

آلمه من وجع الضربات التي تلقاها منه، ورغم ذلك لم يتوقف عن مناداته بالأبله، محاولاً تصغيره بنظر أقربائه وأصدقائه، أبناء القرية الذين يأتي لزيارتهم بين فترة وأخرى، قادماً من المدينة التي يقيم فيها، لا سيما أنه لم يكن له أصدقاء يلتقي بهم!

كان حسن غير مكترث بأحد من أهل قريته، ويتعامل معهم بخشونة مطلقة، ولم يكن لهم أي احترام حتى بالنسبة للذين يكبرونه سناً، بل كان ينادي الغالبية منهم بأسماء غريبة، يخجلون من النطق بها، ولأول مرة كانوا يسمعون بها.

لم يتحمله أحد على تصرفاته المسيئة فقرر شباب القرية إهانته والنيل منه وتقويم اعوجاجه وتذكيره بمن هو أصلاً ولمن تعود جذوره.

آثار الضرب المبرّح التي تلقاه من نايف لم تبارح جسده السمين إلّا بعد مرور وقت ليس بالقصير، فظلت آثاره بارزة، وبصورة خاصة، ما ظهر منها على وجهه من كدمات وجروح لم تندمل إلا بعد فترة زمنية مُبعدة.

هذا ما جبل عليه حسن، بنظراته المبطنة الحاقدة البغيضة التي كانت تخفي وراءها ألواناً من الشؤم والكراهية، وهذا ما جناه على نفسه لشدّة غروره، وتعاليه على أصدقائه وأقاربه ومعارفه الذين يكنّون لأهله كل الود والاحترام، بينما فضّل قريبه وصديق طفولته نايف الابتعاد عنه بسبب أفعاله المسيئة، وتصرفاته المشينة، فراح يهتمّ بدراسته، والعودة إلى ركوب دراجته القديمة بعد أن أعادها إلى الحياة من جديد بإعادة ما أمكن من قطعها الضرورية واستبدالها بأخرى جديدة قادرة من أن تمد من عمرها إلى أن يتمكن من شراء دراجة جديدة تليق به، حسب وعد والده له في حال تجاوزه المرحلة الاعدادية، وبقي بعيداً عن الاحتكاك بابن عمه حسن أو معاشرته، وهذا ما يعني أنه صار يعيش حياة كريمة معافاة، وحافظ أقلّها على ماء وجهه بعد أن أعلن صراحةً عدم زيارته القرية التي كان يقوم بزيارتها بين فينة وأخرى، والبعد عن رفقة ابن عمه الذي أذاقه الأسى مراراً!