لكل السوريين

في غياب المشهد الصحي.. مبادرات للتكافل الاجتماعي في القدموس وريفها

طرطوس/ أ ـ ن

أطلق المجتمع الأهلي في منطقة القدموس بريف طرطوس مبادرة للتأمين الصحي تشمل كافة فئات المجتمع، وتسهم في تنمية الواقع الاجتماعي والصحي، من خلال إجراء العمليات الإسعافية الخاصة بأمراض القلب والعظمية، وباشتراك رمزي شهري لكل دفتر عائلة، على أن يقدم الدعم للمستحق وفق معايير تقررها اللجنة الصحية، والأهم اعتبار الدعم استحقاقاً وليس مساعدة، وهذه المبادرة أتت نتيجة الظروف الحياتية الصعبة للمواطنين وتجسيدا للتكافل الاجتماعي.

ولدت فكرة المبادرة الإنسانية من منزل أحد المساهمين في منطقة القدموس وقراها، وذلك مع بداية احتفالات عيد الربيع في تاريخ 17 نيسان، وتعد هذه المبادرة واحدة من أهم المبادرات الإنسانية الخيرية التي تحمل في مضمونها شعور المريض أو المستحق بتكافل أهل قريته معه، وهو سيساهم بالضرورة مع مرضى قريته لاشتراكه فيها ومساهمته فيه.

السيد كامل وهو أحد الوجوه الاجتماعية والدينية في احدى قرى القدموس قال: العامل المهم جدا في هذه المبادرة وغيرها من المبادرات الإنسانية هو طابع السرية في منح الاستحقاق، لكن المفاجأة الاجمل والاروع كانت الاندفاعة الإنسانية والخيرية من الإخوة المواطنين ومنهم بعض المغتربين الذين ما إن علموا بطبيعة المبادرة حتى تداعوا لتقديم الدعم المادي بشكل جعل حس المسؤولية يتضاعف لتنامي العمل، وأن هذا العمل منح قرى ريف القدموس، خصوصية في الاكتفاء الذاتي لمساعدة مرضاها، فطرح الفكرة وانطلاق تنفيذها لم يتجاوزا ساعات، حتى بادر العيد من الأهالي في عدة قرى، الى تشكيل مجلس الإدارة من عائلات في كل قرية والانطلاق العمل، وخلال أشهر قليلة حققت المبادرة حضورا وارتياحا وقبولا في المجتمع.

السيد حسان وهو طبيب وأحد المؤسسين قال: أن المبادرة اتسمت بطابع التكافل الاجتماعي الصحي، وهي تهدف إلى تحويل التبرع إلى استحقاق لحفظ ماء وجه المستحق اجتماعياً، وثانيا تكوين عقل جمعي تعاوني تنتج من الطبيعة الفردية بالتضامن والتكافل نحو العمل الجماعي، الأمر الذي دفع بالأفراد المؤسسين في كل قرية لوضع بنود او عناصر ما يشبه النظام الداخلي يتضمن كل حالة طبية تخضع لتقرير طبي وتحديد الكلفة المالية، وتقييم حالة المريض اجتماعيا ومدى الاستحقاق، إضافة للحالة الصحية بنسبة مئوية، بغية إيصال الدعم لأكبر شريحة ممكنة، إضافة الى ذلك ، ان الهدف الأسمى هو اعتبار المبلغ المقدم استحقاقا وليس تبرعا ليشابه طبيعة التأمين الصحي الاجتماعي، وأيضا حصر الدعم لعمليات القلب والعظمية لكلفتهما المرتفعة في تأمين الشبكات أو صمام وكذلك للصفائح العظمية، وهي باهظة القيمة المالية بالمشافي سواء العامة أو الخاصة.

وتحدث السيد أكرم بإسهاب أكبر عن طبيعة العمل وقال: في لحظة خروج الفكرة إلى التطبيق، تم تشكيل مجالس إدارة في خمس قرى مباشرة وانتقلت العدوى الى القرى الأخرى، كل مجلس مكون كل واحد من تسعة أشخاص، برصيد مالي بلغ سبع ملايين ليرة، وبرؤية تنموية تهدف إلى تحويل العمل من استحقاق إلى تأمين اجتماعي صحي، يروي ويغذي الصندوق نفسه من الأهالي جميعا وكل واحد حسب مقدرته بالبداية، والاستراتيجية المستقبلية تتضمن السعي نحو التأمين الأشمل من الصحة، بما يفيد ويخدم سكان كل قرية، لكن الخطوة الاجمل هي انه بالبداية الكل تحمس ورحب وايد ودعم.

وأشار السيد اكرم إلى أن منطلقات صندوق كل قرية وعلى حدا، تركزت على المساعدات الصحية الطبية المحصورة في أمراض القلب والعظمية، وتكمن أهميتها بالتكاليف الباهظة، والأمر الآخر هو العمليات التي تهدد الحياة أو العجز والتي لا يقل نسبتها عن 40 بالمئة، لذلك تم خلال إعداد بنود التوافقات والاتفاق او النظام الداخلي وضع اشتراك رمزي مقدار ألف ليرة سورية شهريا، بحيث يصل الاشتراك إلى اثني عشر ألف ليرة سورية سنويا لكل دفتر عائلة من أهالي كل قرية من القرى المبادرة في ريف القدموس وفي بعض الحارات بمدينة القدموس نفسها ومن مختلف الأصناف والتنويعات، وسيكون المستفيد عائلة المشترك المسجلة بدفتره، وتم الاتفاق على تقدير وسطي لعدد افراد العائلة بخمسة أشخاص، وكثير من الداعمين في جميع القرى و احياء المدينة رفضوا ذكر أسمائهم واكتفوا بلقب فاعل خير، حتى باتت ثقافة عامة وشعبية عند جميع الداعمين، يذكر أن عدد المشتركين قد تراوح حسب عدد السكان في كل قرية الى ما يقارب ال100 الى 400 مشترك بمتوسط أفراد العائلة خمسة أشخاص، وبهذا يصبح عدد المستحقين من 500 الى 2000، والعدد في تزايد مستمر، فالجميع له مصلحة عليا بذلك، لكن ضيق الوضع فرض على البعض التأخر بالوقت فقط، إذ في كل لقاء  او اجتماع خلال الأشهر الماضية يدخل مشتركون جدد، تم إحداث هيئة عامة في كل قرية تضم عددا من مندوبي العائلات، يملك كل مندوب سجلا لعائلته يدون فيه مشتركي عائلته، كذلك بلغ عدد المستفيدين حتى الان في كل القرى واحياء القدموس أكثر من ثلاثين مستحقا بقيمة مالية تجاوزت 100 مليون ليرة سورية.

السيد أبو وطفة أحد المستفيدين قال: أن هذه المبادرة هي واحدة من أهم المبادرات التكافلية التي قام بها متطوعو بعض قرى القدموس وبعض الأحياء في المدينة، فهي تعكس القيمة الحقيقة لعمل الخير وتسهم في رسم البسمة والبهجة في نفس المريض، الذي لن يشعر أنه محرج في استحقاقه المالي لاشتراكه، والأهم أن المشرفين على هذه المبادرات ينشرون ثقافة أن الدعم هو استحقاق وتأمين صحي اجتماعي، لقد بادروا بتقديم الدعم بعد التأكد من التقرير الطبي المعتمد وتحديد الكلفة، الأمر الذي عكس عندي الشعور النفسي والاجتماعي بالراحة والسرعة في الشفاء، وجميعهم كانوا كرماء ومخلصين.