لكل السوريين

عمالة الأطفال ظاهرةٌ تغزو الشارع الحلبي

حلب/ خالد الحسين

تعتبر عمالة الأطفال ظاهرة شائعة وتغزو جميع دول المنطقة العربية، وكذلك الأمر في سوريا، و يضطر آلاف الأطفال هناك لترك مدارسهم والتوجه لسوق العمل، بل والعمل في أعمال شاقّة تُعرّض حياة كثير منهم للخطر، ولا سيما في أعمال مثل تصنيع المعادن والميكانيك.

أحد هؤلاء هو الطفل سعد ، الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، وينحدر من مدينة السفيرة في ريف محافظة حلب الشرقي، ويسكن حي صلاح الدين.

يعمل الطفل سعد في قص قطع الحديد المصنع الكبيرة منذ ما يقارب  ثلاث سنوات أي بدأ العمل فيها عندما كان في الحادية عشرة من عمره  حيث اضطر حينها لترك المدرسة والتوجه للعمل ليعيل عائلته، وذلك رغم المخاطر والأمراض التي تصيب الأطفال والعاملين في هذه المهنة الخطرة. يقول: “اضطررت للعمل في هذا المجال ولساعات طويلة رغم خطورته، وبعض الأحيان أُصاب بضيق في التنفس وببعض الأمراض الجلدية، ليس أنا فقط بل جميع الأطفال والعاملين بهذه المهنة.

ضيق المعيشة يدفع بالأطفال للعمل والعائلات في سوريا إلى حافة الهاوية، حيث حوالي 90 % من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية, وفقاً للتقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة اليونيسف, وتعاني البلاد بشكل عام من أزمات اقتصادية متتالية، وقد قدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

من تلك الخيارات هو الخيار الذي اختاره مُجبراً الطفل معاذ البالغ من العمر 11 عاماً، من مدينة حلب ، هو العمل برفقة والده في مهنة متعبة وشاقة، وهي تلميع القطع المعدنية يدوياً. يقول: “بدأت في العمل مع أبي في السادسة من عمري، اضطريت للعمل كوني لا أملك المال كي اصرف ، ولم أستطع الالتحاق بالمدارس أصلاً ، أقصى حلم لدي هو أن أتعلم مهنة جيدة من أجل مساعدة عائلتي ومساعدة أبي في مصاريف الحياة القاسية”.

أم معاذ  49 عاماً من سكان حي المعظمية بمدينة حلب، تؤكد أن أطفالها تركوا المدارس بسبب ضيق الأحوال المعيشية وقلة الفرص نتيجة الحرب.

حيث يعمل أطفالها بمهن مختلفة، تقول: “أعلم مدى خطورة هذه الأعمال والأضرار الصحية التي قد يتعرّضون لها، بالإضافة للعمل الشاق والخطر على حياتهم، ولكن لم يكن لدينا أي خيار آخر”.

وتضيف أم معاذ، بأن أطفالها يعملون لأجل المساعدة في تأمين مستلزمات المنزل المعيشية الأساسية في ظل هذه الأوضاع الصعبة للغاية والوضع دائماً يذهب إلى الأسوأ، وتقول: “اتمنى أن أتمكن من إعادة أطفالي إلى مدارسهم بعد أن تستقر الأوضاع ونعود إلى منازلنا، ولكنه مع الأسف حلم بعيد المنال”.

و تؤكد منظمة مختصة في تقرير لها بأن واحد من كل خمسة أطفال في سوريا يفتقرون إلى التعليم، بتحليل البيانات المتاحة للجمهور، والنظر في برامجها الخاصة، حيث تحدثت إلى منظمات أخرى واستطلعت آراء حوالي 500 معلم، ووجدت أن 3.45 مليون طفل أو واحد من كل خمسة كانوا بالفعل خارج المدرسة بحلول نهاية عام 2022 في جميع أنحاء سوريا. وبأنه بين الربع الأول والثاني من عام 2023 انخفض عدد الطلاب في برامج إنقاذ الطفولة التعليمية من أكثر من 11200 إلى حوالي 7775.

و يخبرنا الطفل معاذ بأن لديه الكثير من الأصدقاء، بعضهم ما زال في المدرسة وبعضهم تركها أيضاً للعمل ومساعدة عوائلهم، يقول: “أحب وأرغب بالعودة الى المدرسة، لكن ظروف المعيشية صعبة ولدي كثير من سنوات الدراسة التي فقدتها”. بينما يدور الحديث معه يشتكي من ألم في يديه يوضح: “أشعر بألم مستمر في يدي، كوني أستخدمهن بالعمل بشكل مستمر، الأمر الجيد في عملي هو وجود والدي بجانبي أثناء العمل، وبالنسبة لأصدقائي أستطيع اللعب معهم في يوم العطلة أحياناً”.

يقول ” أحمد ملا ” وهو مختص في الشأن التربوي بأن أكثر الأمور التي أسهمت في تسرّب الأطفال من المدارس وتوجههم لسوق العمل هو ما حدث من دمار المدارس وتوقف العملية التعليمية، كل هذه الظروف ساهمت في دفع الأطفال للعمل لمساعدة أهاليهم أو لإعالة أسرهم في بعض الأحيان، خاصة أن هناك غياب في عدالة التوظيف”.

لافتاً إلى أن الشعب السوري كان من أحرص الشعوب في  المنطقة على تعليم أبنائهم ومتابعة تحصيلهم، غير أن سنوات الأزمة الطوال وما تعرض له الشعب ، جعل الناس تفقد مصادر أرزاقهم حيث خسرت أراضيها وممتلكاتها، بالإضافة إلى أن العوائل قد خسرت معيلها.