لكل السوريين

مرض العقم في إدلب.. معضلة مادية قبل الاجتماعية

تأخر الإنجاب يسبب قلقًا للنساء والرجال، وتتضاعف الضغوط مع مرور الوقت ما يزيد خوف الزوجين ويدفعهما لزيارة الأطباء لتشخيص المشكلات العضوية التي أخّرت حدوث الحمل، ومحاولة حلها بكل الطرق الممكنة، وتخترق محاولاتهما ضغوط عديدة من المجتمع بحجة الاطمئنان على صحتهما، إلى جانب تراجع الوضع المادي وسط تكاليف العلاج الباهظة في شمال غربي سوريا.

وبحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في نيسان الماضي، فإن 17.5% من إجمالي عدد سكان العالم متأثرون بالعقم، أي أن النسبة تصل إلى شخص من بين كل ستة في العالم.

والعقم بحسب تعريف المنظمة هو “مرض يصيب الجهاز التناسلي للذكر أو الأنثى، ويُحدد بعدم القدرة على الوصول إلى نتيجة الحمل بعد 12 شهرًا أو أكثر من الجماع المنتظم من دون وسائل تمنع حدوث الحمل”.ووفق بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية، يمكن أن يسبب العقم “ضغوطًا نفسية ووصمة وأزمات مالية تؤثر على رفاه الناس الجسدي والنفسي.”

منى الصالح 28عام  من بلدة معرة مصرين في إدلب، متزوجة منذ سبع سنين إصابتها بالتهابات شديدة وضعف، أدت إلى عدم قدرتها على الإنجاب بعد فترة طويلة من زواجها، وبدأت تبحث عن الحلول وتواجه عقبات تحاول تجاوزها

بدأت والدة زوج منى بالتدخل بحياتها بعد تأخرها بالإنجاب، لأنها تريد رؤية حفيدها قريبًا، بحسب قول ريم، وكل يوم كان الضغط والإزعاج من قبل أهل زوجها يزدادان، وتضاعفت المضايقات الكلامية والتجريح، لترد على تلك المضايقات قائلة إن الأمر ليس بيدها وهو بيد الله وحده، وليس لديها حل.

صديقاتها وأقاربها حاولوا مساعدتها بطرق مختلفة، فمنهم من وصف عشبة لتسريع الحمل، ومنهم من نصح بمشروب معيّن أو دواء، لكن “في كل يوم أُنصح نصيحة يتضاعف همي بدل التخفيف منه، إذ جربت كل الطرق ولم أستفد شيئًا، فقط خيبة الأمل، أضافت ريم.

من جانبه، كان الطبيب يطمئن منى ويقول لها إن الأمل كبير، وفي حال لم تنفع العلاجات الدوائية، يمكنها اللجوء إلى زراعة الأجنة، وهذا آخر الحلول، إلا أن هذا لم يطمئنها ولم تشعر بالراحة، بل ضاعف توترها بسبب ضغط كل من حولها وتحميلها ذنبًا لم تقترفه.

“نهال” (43 عامًا)، وهو اسم مستعار لامرأة تحفظت على ذكر اسمها لأسباب اجتماعية، من ريف حلب الجنوبي، قالت إنها بعد خمس سنوات من زواجها دون حمل، ذهبت إلى الطبيب مع زوجها، وكانت التحاليل التي أجرتها سليمة، ولم يكن هناك ما يمنعها من الإنجاب، إلا أن زوجها كان لديه ضعف جنسي وفق تشخيص الطبيب.

“رفض زوجي كل نصائح الطبيب، ورفض العلاج منكرًا أن لديه مشكلة تمنعه من الإنجاب، فساء وضعه الصحي، حتى التدخين الذي حثه الطبيب بشدة على الإقلاع عنه لم يتجاوب معه، وكان وضعه الصحي واحتمال قدرته على الإنجاب يتراجعان مع مرور الزمن”.

قالت “نهال”، إنها “احتملت” زوجها حوالي 20 عامًا، وصبرت على ذلك الوضع علّه يتجاوب مع الطبيب ويرضخ للعلاج يومًا، إلا أن خلافاتهما ازدادت مع إصراره على رأيه، فوصلا إلى الطلاق في نهاية المطاف، و”أنا الآن في عمر لا يسمح لي بالإنجاب ولو حاولت”.

أحد الأطباء، اختصاصي جراحة نسائية يعمل في مستشفى “سامز لرعاية الأمومة والطفولة”، المدعوم من “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” في الدانا بريف إدلب، إن النساء يقبلن على العلاج أكثر من الرجال وفق مشاهدته بالعيادة التي يعمل فيها، وهناك رجال يرفضون إجراء التحاليل، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال من زوجة ثانية، أو سبق لهم الإنجاب من زوجة سابقة.

كما اتفق جميع من التقينا بهم على ان علاج العقم يرتب أعباء مادية باهظة الثمن، حيث ان العلاج يكون على نوعين اما إجراء عملية تخصيب للبويضة، وتكون العملية في مشفى خاص بإدلب حصراً، وإما الاستمرار بالعلاج الدوائي، الذي قد يزيد سعره عن 100$ بحسب طبيب مراقب.

ويراجع مرضى العقم المستشفيات التي تدعمها المنظمات، لعدم وجود مستشفيات خاصة بأمراض العقم تقدم العلاج بالمجان، لكن المستشفيات التي تدعمها المنظمات هنا “إسعافية”، بحسب الطبيب محمود البواب، مهمتها بالدرجة الأولى استقبال الحالات الإسعافية الحرجة، ومرض العقم مصنف ضمن الأمراض الباردة.

كما أن ازدحام المستشفيات العامة يؤدي إلى عدم متابعة مرضى العقم بشكل جيد وكافٍ، فالأولوية في المستشفى للمرضى الذين لديهم كسور وحالات نزف، وللحالات الإسعافية الأخرى.

ويضطر الطبيب اليوم إلى تأجيل بعض المواعيد وإعطاء مواعيد تزيد مدتها على الشهر بسبب وجود جهاز واحد للتنظير في المستشفى، مضيفًا أن المرضى الذين يزورون بقية المستشفيات، يجري تحويلهم إلى هذا المستشفى لعدم وجود أجهزة تنظير.

ومن الضروري تخصيص مراكز لتشخيص العقم وعلاجه في شمال غربي سوريا، بحسب الطبيب، وهذه الخطوة بحاجة إلى دعم لتساعد في حل المشكلة، لكنه يعبر عن خيبة أمله، فـ”معظم المنظمات، لا تفضّل دعم المراكز من أجل مساعدة مرضى العقم، ولا ترى ضرورة لأخذ تدابير لعلاج هذا المرض”.