لكل السوريين

ملامح أولية حول القانون 107 قانون الإدارة المحلية في سوريا

بتصرف واعداد انعام إبراهيم نيوف

يظهر القانون 107 (قانون الإدارة المحلية في الجمهورية السورية) كمساحة مشتركة لمعظم الأطراف السورية. فهو يشكل فرصة المشاركة السياسية خارج العناوين العريضة المطروحة في المؤتمرات الدولية، وفي نفس الوقت يطرح إمكانية خلق توافقات على مستوى المجتمع المحلي بعد الانقسامات الحادة التي شهدتها سورية.

والمسألة الأساسية في هذا القانون هي أنه لا يقدم ظرفاً سياسياً جديداً بل يتعامل مع الواقع القائم، تاركاً للحل السياسي على المستوى الأعلى رسم خطوط المستقبل.

في العام 1971 أقر قانون الإدارة المحلية. ومنذ ذلك التاريخ تطورت الهيكلية الإدارية والتشريعية للإدارة المحلية في سورية وصولاً إلى القانون 107. ولكن العمق العام لم يتغير عبر هدف أساسي في تطبيق لامركزية إدارية تسهل المصالح المرتبطة بالأحياء والقرى والبلدات، وتشكل نموذجاً معاصراً لإدارة المناطق مع مراعاة مركزية العديد من القرارات. وفي المقابل فإن البعد الآخر للقانون كان يتضمن ثلاثة أمور أساسية:

  • إيجاد هيكلية إدارية مختلفة في مهامها عن حزب البعث الذي كان قائدا للدولة والمجتمع، لكنها تتبع قراراته السياسية وتؤمن لمؤسسات الدولة تنفيذ قراراتها على المستوى الأدنى، وعلى الأخص في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى.
  • ضبط مركزية الدولة بما يضمن معرفة السلطة السياسية تحديدا بكافة التفاصيل عبر الوحدات الإدارية الأصغر، التي تعمل باتجاهين: الأول مع الوحدة الحزبية الموجودة في منطقتها، والثاني مع مصالح المجتمع المحلي الخدمية.
  • تنظيم العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمعات المحلية بعيدا عن الهيكلية الخاصة بحزب البعث. فأعضاء المجالس المحلية كانوا على امتداد عقود من البعثيين، ولكنهم في نفس الوقت يشكلون جهازا مستقلا على المستوى الإداري.

ربما ليست غريبة النظرة العامة التي يحملها السوريون لمجالس الإدارة المحلية على أنها جزء من جهاز السلطة، فهي كانت متشابكة بقوة مع المؤسسات الأكثر قوة داخل المجتمع المحلي، مثل رئيس الفرقة الحزبية مثلا أو حتى المؤسسات الأمنية. ورغم أن الإدارة المحلية قدمت كتشريع شكلا متقدما للدولة المعاصرة، واستطاعت خلال العقود الماضية تلبية مصالح متعددة داخل المجتمع، إلا أنها ظهرت أيضا كصورة أخرى لمركزية الدولة وتعاملها مع كل التفاصيل الخاصة بالمواطن. فقانون الإدارة المحلية في ظل دستور يضمن لحزب البعث قيادة الدول والمجتمع أصبح تشريعا يحد من المشاركة العامة، ويحتكر النشاط الأهلي ويتماهى في النهاية مع مبدأ الطيف الحزبي التقليدي المنصوص عليه في ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية.

عمليا كانت الوحدات الإدارية في المدن والبلدات والقرى شكلا أصغر للتشكيل السياسي العام الموجود في الجبهة الوطنية التقدمية. ففي المدن الكبرى، كان هناك ممثلون عن الأحزاب داخل مجالس المحافظات، وفق توازن يضمن لحزب البعث الحصة الأكبر، بينما يتفرد البعث بكامل مقاعد المجالس في البلدات والقرى الأبعد وعلى الأخص في الشرق السوري. فالإدارة المحلية شكلت احتواء للمجتمع المحلي ونظمت العلاقة مع المركز دون أن تخدم فكرة اللامركزية الإدارية. والمتغير الأساسي في القانون 107 هو التبدل الحاصل في الدستور السوري الذي ألغى احتكار السلطة بعد تبديله نص المادة الثامنة من الدستور.

وسع القانون 107 القاعدة الانتخابية، وبدل من التقسيم الإداري بما يخدم هذه القاعدة، وسهل كثيرا من الاجراءات الإدارية عبر منح صلاحيات إضافية للمجالس المنتخبة.

وفي نفس الوقت أتاح الدخول في شراكة مع القطاعات الأخرى الموجودة في حدود صلاحية كل مجلس، سواء كانت اقتصادية أو مدنية، وجرت الانتخابات في نهاية 2011 دون وجود القوائم الاعتيادية التي توزع مرشحي الجبهة الوطنية التقدمية. ولكن هذه الانتخابات جرت في ظل حالة الاضطراب التي بدأت تجتاح سورية مطلع عام 2011، ووسط عدم قدرة المجتمع على تلمس التحولات داخل قانون الإدارة المحلية.

فكان على هذا القانون الانتظار عامين تقريبا قبل أن يعاد طرحه من جديد داخل المحافل الدولية، مع إمكانية تطبيقه في كل المناطق السورية، وفي المقابل تعود مؤسسات الدولة للعمل من جديد. ومنذ عام 2014 أصبحت المنظمات الدولية غير الحكومية مهتمة بهذا القانون، وبتطوير كوادر المجتمع المدني السوري للتعامل معه من جديد.

الافتراض الأساسي اليوم في هذا القانون يستند إلى توزيع القوى على الأرض، واعطائها مشروعية عبر قانون سوري قائم، ففي أماكن سيطرة الدولة فلن يتغير شيء، فالمجالس التي تم انتخابها عام 2011 ما زالت تتبع نفس الآليات السابقة للقانون 107، والمحافظ المعين بمرسوم من الرئيس ما زال مع رئيس الهيئة الحزبية (شعبة أو فرقة أو فرع) الأقوى، ويمارس صلاحياته بمعزل عن المجالس المنتخبة.

عارض حزب البعث القانون 107 منذ مراحل إعداده الأولى، لأنه يتيح لمنظمات المجتمع المدني الدخول في شراكة مع كافة البلديات.

ولكن صدور القانون لم يحسم الكثير على مستوى الشأن العام السوري، لأن الأزمة جعلته شكلا من أشكال التعامل مع الأمر الواقع بدلا من أن يكون بيئة لتطور العمل باتجاه الديموقراطية واللامركزية الادارية. والمحاولات التي تجري لإبرازه اليوم هي نتيجة لمأزق الحلول السياسية، فتطبيقه سيكرس ـ في ظل ضعف الدولة ـ التقسيم على المستوى الإداري تماما.