لكل السوريين

المرأة الريفية مفتاح من مفاتيح التغيير

هدى الخالدي

يعتبر الاعتراف بدور المرأة الريفية في مجال العمل الفلاحي جزءاً مهماً من العدالة الاقتصادية، ولكن ما تمارسه المرأة الريفية في سوريا من أعمال غير مهيكلة هو دليل على الاستغلال الاقتصادي الذي من شأنه أن يحرمها من الموارد الاقتصادية (كالحرمان من المال أو الأجر والحرمان من الميراث والملكية للأراضي الزراعية) أو الاحتياجات الحيوية، ومن التحكم في أجرها. وبالتالي بعدم الاعتراف لها بمساهمتها في الدفع بعجلة الاقتصاد على الرغم من أنها الفاعل الأساسي فيها بأعمالها غير الهيكلية وغير منظمة التي تؤسس لمعيشها اليومية.

من المُسلَّم به أن الزراعة هي المُحرِّك الرئيسي للنمو في المجتمعات الريفية في شتى أرجاء العالم، وأن المرأة هي العمود الفقري للأسر الريفية. وفي حين أن النساء غالبًا ما يكدحن في المنزل وفي المزرعة لتلبية احتياجات أسرهن، فإنهن لا يتمتعن عادةً بجميع ثِمار عملهن.

حياة يومية قائمة على الإقصاء:

تختار أغلب الريفيات الاستغناءَ عن حقهن في الميراث، وهذا ما يقلل من فرصهن للتحرر من التبعية الاقتصادية من خلال بعث مشاريع صغيرة يمكن أن تحميهن من العمل غير المهيكل في القطاع الفلاحي. ويدخل هذا الأمر في خانة الإقصاء – الذي يكون كلياً أو جزئياً – من حقها في الميراث الذي يحرمها من ملكية الأراضي أو العقارات والذي يمكن أن يمنحها فرصة الاقتراض من البنك.

كما أن عدم تدوين المنتجات والخدمات التي تقوم بها المرأة الريفية بدون أجر في الإحصاءات الرسمية هو نوع من الإقصاء الإحصائي، باعتبارها أعمالاً تدخل في خانة الوجبات العائلية، على الرغم من أنّ هذا العمل المنزلي بدون أجر يساهم في الناتج الداخلي الخام بنسبة 64 في المئة، “حيث تقضي النساء الريفيات 77.6 في المئة من الوقت يومياً في الأشغال المنزلية بدون أجر (العناية بالأطفال والمسنين، العناية بالبيت، الطبخ، التسوق، جلب الماء، الأعمال الفلاحية…)، في المقابل لا تشغل الأعمال المنزلية إلا 9.4 في المئة من أوقات الرجال يوميا” .

يساهم هذا الإقصاء في جعل المرأة الريفية منحصرة في الأعمال المنزلية والأعمال غير المهيكلة مما يزيد من تشتت قدراتها وإمكانياتها، والتقليل من فرص التنظّم في هياكل اقتصادية تساعدها على نمو الفرص والإمكانيات التي يمكن أن تتاح لها.

لا يمكن أن ننكر أنّ المجتمع السوري. يعاني حالياً من أزمة بجميع المقاييس، تعود إلى عدة أسباب. فالشعور بغياب العدالة الاجتماعية، وتأجيل المحاسبة السياسية والاجتماعية التي ساهمت في ظهور فئة جديدة من ذوي النفوذ في المجتمع بالمال والثروة والتسلط السياسي والاجتماعي، وضعف تكافؤ الفرص في المشاريع والحقوق الاجتماعية الطبيعية والمدنية، وغلاء الأسعار بصورة عامة، يمثل مناخاً ملائمًا لظهور الأعمال غير المهيكلة في جميع القطاعات. وانتشار هذه الظاهرة في القطاع الفلاحي بشكل خاص يعود أساساً لهشاشة الفاعلين المشتغلين فيه، وخاصة اليد العاملة النسائية.

المرأة الريفية التي لم تكتف بدورها كأم وزوجة وقيامها بالأعمال المنزلية، بل تقوم بعملها خارج المنزل جنبًا إلى جنب مع الرجل، حيث إنها في كثير من الأحيان تفوقه في مهامه الإنتاجية، حيث تشكل النساء الريفيات العاملات أكثر من ربع مجموع سكان العالم، وفي البلاد النامية تمثل حوالي 43% من القوى العاملة الزراعية، حيث يعتمد غالبيتهن على الموارد الطبيعية والزراعة وتربية الحيوان لكسب عيشهن.

وللأسف، الأعراف والتقاليد في الريف تُعطي الرجل حق الامتلاك للأراضي والبيوت والحيوانات، وكذلك أن تكون له سلطة مُطلقة في قرار زواج بناته. وفي كثير من الأحيان يتسبب ذلك في الزواج المبكر والتسريب من التعليم ونفسيا ومعنويا يُفضل ابنه الذكر على الإناث

وتعاظم دور المرأة الريفية الاقتصادي بعد هجرة الرجال للعمل الزراعي تاركين مسئولية ذلك للمرأة الريفية، ومن ثم تحملت عبء اتخاذ القرارات الإنتاجية في الزراعة، كما أصبح لها دورا رئيسيا في تخطيط الاستهلاك العائلي وبرمجته الزمنية، فالمرأة الريفية تمتلك القدرة على إيجاد الحياة واستمراها.

المرأة المعيلة.. مثال يتكرر في جميع أرجاء سوريا، فما بين امرأة فقدت عائلها أو أخرى تركها زوجها وصغارها بلا رجعة، تجد امرأة قوية تكون حائط الصد قادرة على توفير الحياة الكريمة لأسرتها دون استسلام للواقع المرير.. لكن قد تجد المرأة نفسها تائهة بلا شخص يقف الى جوارها يساندها ماديا لتبدأ أي مشروع بسيط، خاصة تلك المرأة الريفية التي مازالت تعاني مشاكل جمة، لذلك تبحث الإدارة ومنظمات المجتمع المدني جاهدة للبحث عن كيفية تحقيق الاستقلال المالي للمرأة بشكل عام الذي لضمان حرية اقتصادية حقيقية للمرأة عامة، والريفية البسيطة بشكل خاص من خلال مشاريع أو مبادرات صغيرة ممكن أن تحقق المرأة استقلاليتها الاقتصادية من خلالها.

يجب تعزيز قدرات النساء والفتيات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتمكينهن من المعارف والمهارات المتعلقة بمتطلبات القطاع الزراعي والمشروعات الحرفية، من خلال تعزيز الأنشطة الاقتصادية للنساء الريفيات، ودعم المهارات المعرفية للمزارعات، تشجيع المبادرات والأفكار التي تتيح غذاء آمن وصحي للأسرة، وتبني القيادات النسائية المتميزة على المستوى المحلي.

إن من أهم تحديات المستقبل هو بناء جيل قادر على تحمل أعباء التنمية ومسئولياتها ، جيل قادر علي العطاء قويم الخلق وهنا يأتي أهم وأعظم أدوار المرأة التي لها الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعية، ويعتبر دورها دورًا رئيسياً ، لذا فإن إعدادها وتنمية قدراتها كأم لهو من أهم الأمور حتى تستطيع القيام بدورها كاملاً، وبقدر ما تعطي لهم من رعاية وتفهم وحنان بقدر ما تؤثر في شخصياتهم ونظرتهم للمجتمع واستعدادهم للاندماج فيه والعمل من أجله كمواطنين صالحين، فهي التي تغرس فيهم السلوك الاجتماعي المقبول والسلوك البيئي السليم أي أنها البيئة الأولي في تنمية العنصر البشري وهو العنصر الذي لا ينضب.