لكل السوريين

النساء في تدمر بين العادات والتقاليد وكسر التنميط

تقرير/ جمانة الخالد

تعاني النساء في تدمر من السلطوية الذكورية، لا سيما في ظل طغيان العادات والتقاليد وحكمها للمجتمع، ذو الطبيعة القبلية والعشائرية، تلك التي تحارب حقوق المرأة.

لم تؤثر تبعات الحرب سلبًا بشكل كامل على المرأة في تدمر، فهناك جوانب إيجابية لها كشد عزيمة كثير من النساء، ممن وجدن أنفسهن بلا معيل، فاعتمدن على طاقاتهن ودخلن العديد من المجالات، التي كانت سابقًا حكرًا على الرجال.

تصر أم عمر(43 عامًا)، من تدمر، على بناء عالمها من جديد رغم الصعوبات التي تمثلت في فقدان زوجها وأحد أطرافها بسبب إحدى قذائف تنظيم “داعش” الإرهابي”.

“أنا امرأة عادية مثل كل نساء المنطقة أحاول أن أعيش مع أبنائي”، بهذه الكلمات تصف هذه السيدة حياتها رافضة أن تكون استثناء، من خلال عملها في الدلالة على العقارات للبيع والتأجير.

وفضلت أم عمر العمل الخاص ليبقيها بعيدة عن تحكم الرجال، ويحفظ لها شيئًا من الاستقلال والحرية، متمنية أن تمتلك في المستقبل سلسلة من العقارات وتدخل سوق الإنشاءات والتعمير.

“ربما بالظروف العادية، كان يمكن أن أصبح بنتًا عادية مستهلكة تنتظر إنهاء دراستها وزواجها”، هذا ما أكدته منيرة(21عامًا)، التي تحاول استكمال دراستها في الجامعة وتدبير مصاريف معيشتها، عبر المساعدة في إصلاح الأدوات الكهربائية وأجهزة الموبايل والتمديدات البسيطة لجاراتها في الحي.

“لو شاهدني أهلي اليوم ربما يغمى عليهم ولن يصدقوا”، تصف منيرة ما كان من الممكن أن تقوله عائلتها التي فقدتها في قصف طال أحد أحياء المدينة، وبقيت بعد ذلك وحيدة مع جدتها.

تطمح الفتاة، بعد امتلاكها “عدة بسيطة”، إلى افتتاح محل خاص بها في المستقبل، يكون مخصصًا فقط لمساعدة النساء، خاتمة كلامها بالقول إن “مجتمعًا لا تمتلك فيه النساء كامل حقوقهن وحريتهن هو مجتمع منافق”.

“انظر إلى ما فعلته بنا الحرب لقد عدنا قرونًا الى الوراء”، تقول أم سالم (56 عامًا)، موضحة أنه من المعيب التحدث عن عمل المرأة في الزمن من التقدم والتطور، لكن الحرب هي من جعلت من حقوق الإنسان موضع نقاش وأخذ ورد، وهذه الحقوق تتعلق بالإنسان ككائن بشري بعيدًا عن مكان وجوده وبعيدًا عن جنسه وعرقه ولونه، وليست منة من أحد أو مكرمة.

تعمل أم حسام في الترجمة للطلاب والأعمال المكتبية والدروس الخصوصية، منذ أكثر منذ سنون، لتساعد عائلتها وتحصّل دخلًا إضافيًا، مشيرة إلى أن تقدمها في العمر أعطاها الخبرة والقوة لمواجهة المجتمع الذكوري ومكنها من الكلام والتنقل بحرية.

وتنفي المدرّسة تحسن وضع المرأة في تدمر وسوريا عموماً، فهي لا تزال، على حد قولها، تتعرض للمشاكل، ومنها التحرش اللفظي على الأقل.

لكن المعلمة، في ذات الوقت، ترفض مقارنة هذا مع ما يحدث في مناطق أخرى، فمن المعتاد في منطقتها سابقًا أن تشاهد سيدة طبيبة أو مهندسة أو مديرة مدرسة أو معلمة، “لكننا اليوم نسمع نغمات تستهجن حتى كلام المرأة”.

وساعدت الأجواء داخل المدينة على بقاء بعض حقوق النساء بعكس الظروف التي مرت بالمناطق الأخرى، “لم نتعرض لمحاولات قمع وإذلال كما حدث في مناطق سيطرة داعش، التي فقدت فيها النساء جميع حقوقهن وعدن إلى زمن الجواري والإماء”، تقول المدرّسة.

كما أن عيش النازحين في محافظات ومناطق أخرى أكثر انفتاحًا وتمدنًا، ساعد النساء في الاندماج أكثر مع المجتمع، وفقًا للمعلمة، ودخول سوق العمل وكسر بعض القيود والتقاليد التي كانت تقيد حركتها وفعاليتها.

وترك التنظيم، الذي حارب جميع حقوق النساء، فجوة اجتماعية بين الواقع الحالي وأفكار التنظيم المنتشرة، فضلًا عن معاناة المرأة المشرقية عمومًا من سيطرة ذكورية ومجتمع لا يشجع النساء على المطالبة بكامل حقوقهن.

ورغم النشاط الواضح للنساء خلال السنوات الماضية، إلا أن الأوضاع لا تزال مزرية والمشهد سوداوي، على حد تعبيره، مضيفًا لا يزال أمام المرأة طريق طويل للحصول على حقوقها والعمل بفعالية وبكامل قدراتها وطاقتها.