لكل السوريين

مع حلول الشتاء أسعار الألبسة تصل لأعلى مستوياتها ومواطنون يشكون ضيق الحال

حلب/ خالد الحسين

يمشي نائل (٤٤ عامًا) في سوق باب جنين بحلب والذي يعتبر من الأسواق الشعبية في المدينة ويتفاجأ أثناء تجوله بين محال الألبسة الشتوية الجديدة و”البالة” بأسعار الألبسة التي تفوق دخله الشهري بأضعاف.

وأوضح نائل ، وهو معلم مدرسة ، في حديثه للسوري ، أن راتبه الشهري لن يُمكّنه من شراء الملابس الشتوية لأي من أبنائه الخمسة، نظرًا إلى ارتفاع أسعارها “غير المعقول”.

وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والغذائية الضرورية لكل عائلة، يرى نائل نفسه أمام اللجوء لاقتراض المال لشراء ملابس أولاده، أو تنظيم دور لهم بحيث يشتري في كل شهر ملابس فرد واحد من العائلة، في حال لم تصله أي حوالة مالية من أقربائه المقيمين خارج سوريا لإعانته على مستلزمات أولاده، على حد قوله.

بينما كانت سمية (٤٩ عامًا) تعتمد خلال السنوات الماضية على شراء الملابس “المضروبة” (فيها أخطاء بسيطة لا تمنع استخدامها) من أصحاب المعامل وورشات تصنيع الألبسة، بأسعار تعادل نصف سعرها الحقيقي (فيما لو كانت غير معرّضة للضرر).

ولكن لجوء بعض أصحاب المعامل والورشات إلى بيع تلك الألبسة “المتضررة” في الأسواق، خلال السنة الحالية، بأسعار مرتفعة قد تقارب أسعار الألبسة السليمة، جعل سمية تحجم أيضًا عن هذا الخيار، بحسب ما قالته للسوري.

وكخيار لا بديل عنه، أوضحت سمية أنها لجأت إلى تسجيل أسماء عائلاتها لدى إحدى قوائم “الجمعيات الخيرية” التي تعمل على توزيع الألبسة الشتوية كل عام لمحتاجيها.

وفي 31 من تشرين الأول

، تحدث عضو مجلس إدارة “المؤسسة السورية للتجارة” وعضو رابطة “المصدّرين السوريين للألبسة والنسيج”، ماهر الزيات، عن ارتفاع في أسعار الألبسة الشتوية هذا العام.

وعزا الزيات الأسباب إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية كالخيوط والأقمشة حول العالم، بنسب تقارب 15% من جهة، وإلى ارتفاع أجور الشحن والجمارك من جهة ثانية.

وبحسب ما رصدته السوري، تشهد أسواق الألبسة ركودًا وحركة منخفضة من الزبائن، في ظل وصول أسعار الألبسة الشتوية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يتجاوز سعر الجاكيت الشتوي الرجالي الواحد ١٥٠ ألف ليرة سورية.

أدت حملات الجمارك و”المكتب السري” المستمرة في مدينة حلب، إلى توقف عدد من معامل إنتاج الأقمشة، ما أدى إلى تراجع حركة الإنتاج التي رافقتها زيادة في الأسعار.

واعتبر مالك حريري (55 عامًا)، صاحب ورشة لتصنيع الألبسة الجديدة في حي الجابرية بحلب، أن التراجع في إنتاج واستيراد الأقمشة هو السبب الرئيس لرفع أسعار الألبسة الشتوية الجديدة، وكذلك انخفاض إنتاجها.

وأضاف حريري، في حديثه، أن العديد من ورشات تصنيع الألبسة في المدينة تعتمد الآن على إنتاج كميات بحسب الطلب فقط دون زيادة.

وأوضح حريري أن أسعار الألبسة تختلف بين وقت وآخر بحسب أسعار الأقمشة وتوفرها، معتبرًا أن “بيع الألبسة المُصنّعة حديثًا بأسعار قديمة يُعرّض الكثير من التجار لخسائر كبيرة”.

وفي منتصف تشرين الأول الماضي، أجرت دوريات الجمارك في محافظة حلب حملة مفاجئة بهدف “مصادرة الأقمشة المهربة” في عدد من المناطق الصناعية والمعامل في المدينة.

وبحسب حديث أصحاب معامل للأقمشة في المدينة، التقت بهم السوري، تسببت الحملة بمصادرة أطنان من “الأقمشة المهربة” التي دخلت عن طريق تركيا والأردن.

تشهد أسعار الألبسة المستعملة (البالة) ارتفاعًا عن أسعارها خلال السنوات الماضية، كما تلاحق الدوريات المنتشرة على الطرقات الرئيسة لأسواق مدينة حلب أصحاب “بسطات” ومحال “البالة”، لمصادرة بضاعتهم بحجة “دخولها بشكل غير نظامي”، و”عدم مرورها عبر الجمارك”.

رامز (٣٦ عامًا) صاحب محل لبيع ملابس “البالة” في حي صلاح الدين بحلب، قال: إن أسباب ارتفاع أسعار الملابس المستعملة تعود إلى ضمان التجار عدم خسارتهم تكاليف نقلها وإدخالها إلى الأسواق إذا تمت مصادرة أجزاء من الكميات.

وأوضح رامز أن الألبسة المستعملة تدخل بأكياس كبيرة إلى أسواق حلب، عن طريق “مهربين” يستوردونها عبر المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، بسعر عشرة يوروهات للكيلو الواحد.

وأضاف أن حملات الدوريات المنتشرة في الأسواق من الممكن أن تدخل محال “البالة” في أي لحظة، ما قد يسبب “خسارة كبيرة” للتاجر عند مصادرتها، متوقعًا أن تتوقف العديد من محال “البالة” عن العمل، إذا استمرت تلك الحملات بكثرة.

ويشهد المستوى العام للأسعار ارتفاعات متكررة شبه يومية تطال سلعًا ومواد أساسية وغذائية، تضاعف انعدام القدرة الشرائية للمواطنين.

ويبلغ متوسط الرواتب الشهرية للموظفين في سوريا (في القطاع الخاص والعام) 149 ألف ليرة سورية (32 دولارًا)، بحسب موقع “Salaryexplorer”.

ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، بينما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفض من معدل إنفاقها.