لكل السوريين

بنهج إخواني.. سعيٌ أردوغاني لرسم سوريا وليبيا، وإعادة أمجاد الإمبراطورية الزائلة

لم يعد خافيا على أحد أن الرئيس التركي أردوغان يمد نفوذ بلاده إلى مناطق خسرتها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، من خلال رسمه لخارطة جديدة في بلاده وضم إليها سوريا وليبيا على اعتبارهما كما يرى هو أجزاء تاريخية من الدولة العثمانية.

وفي كل خطاب يصدر عن أردوغان، يبعث بإشارات سياسية خطيرة بشأن البلدين، معتبرا أنهما مناطق نفوذ لتركيا الجديدة التي روج لها ولازال، بأنه يتوجب على الأتراك استعادة إرث أجداده عاجلا غير آجل.

وأصبح مصطلح استقلال تركيا الجديدة في سوريا وليبيا رائجا في المجتمع التركي، وذلك لقيام أردوغان بتسليط الإعلام المحلي التركي على تطبيع هذا المصطلح في الشارع التركي.

وما إن أعلنت تركيا دخولها المستنقع الليبي حتى كثّف أردوغان من تصريحاته التي يتحدث من خلالها عن أنه سيعيد الإمبراطورية العثمانية، تلك الطموحات التي ما إن كشفت حتى فهما أكثر من ثلاثة أرباع الشعبين السوري والليبي على أنها طموحات توسعية استعمارية.

ويشير أردوغان بتصريحاته المتكررة إلى أن سياسات بلاده في سوريا وليبيا ليست مغامرة ولا خيارا عبثيا، في حين أن ما يحدث على الأرضين السورية والليبية يؤكد أن الفخ الذي نصب له وغروره سيقودانه إلى مصير فشل محتوم.

وردا على تساؤلات المعارضة التركية حول أسباب تواجد تركيا في سوريا وليبيا، شدد أردوغان بقوله “إذا تهربنا من خوض النضال في سوريا وليبيا والبحر المتوسط وعموم المنطقة، فإن الثمن سيكون باهظا مستقبلا”.

وأضاف “إن لم نجعل تركيا تتبوأ المكانة التي تستحقها مع تغير موازين القوى في المنطقة، ستكون حياتنا على هذه الأراضي صعبة جدا في المستقبل؛ لذلك أقول إننا نخوض نضال الاستقلال مجددا”؛ في إشارة إلى حرب الاستقلال وفق التسمية التركية التي كانت قد خسرت فيها أجزاء من نفوذها لصالح فرنسا واليونان بعد الحرب العالمية الأولى.

ودارت حرب الاستقلال التركية (1919 – 1923) بين تركيا من جهة واليونان وأرمينيا وفرنسا من جهة أخرى وعلى عدة جبهات، وبالإضافة إلى المملكة المتحدة وإيطاليا بعدما احتُلّت أجزاءٌ من الإمبراطورية العثمانية وقُسِّمت بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى.

ويروّج أردوغان لطموحاته التوسعية في مسعى من شأنه تغيير المعادلة على المستوى الدولي، ولا يتردد في القول بأن “النجاحات والانتصارات التي سيحرزها الشعب التركي ستغير مجرى التاريخ مرة أخرى”.

اللعب على الوتر الديني

ما إن اندلعت الأزمة السورية حتى زج أردوغان بنفسه كطرف رئيس فيها، فدعم الإرهاب واحتل مناطق شاسعة فيها، ونجح في ذلك بعد أن لبس الزي الديني الذي استطاع من خلاله تشكيل أكبر تنظيم إرهابي في المنطقة، ألا وهو تنظيم داعش.

في حين أنه في ليبيا فالكل يعلم أن حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج هي تابعة ضمنيا وظاهريا للإخوان المسلمين، وتتبنى الفكر الإخواني الإرهابي، ولم يتوان أردوغان ولو للحظة عن تقديم الدعم لها، حتى بات المواطن التركي هو ضحية لأطماعه التوسعية الاستعمارية في شمال إفريقيا وغرب آسيا.

وشمل الاتفاق الذي أبرمه مع السراج مذكرةَ تفاهم تسمح لتركيا بتجاوز قبرص والتنقيب عن الوقود الأُحفوري في حقول الغاز حتى خليج سرت.

ويطمح أردوغان، في تصرفات فردية من وحي مؤسسات الدولة العثمانية المنهارة، إلى توسعة نفوذ تركيا من البلقان إلى القوقاز، ومن أفريقيا إلى أوروبا، وينافس الصين على مناطق فيها وجود قوي للمسلمين، ويتحدى حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والغرب علناً في البحر المتوسط وليبيا وسوريا.

وفي أحدث مغامرة في السياسة الخارجية التركية، يفتح أردوغان لبلاده مسارا إلى مياه الصومال للتنقيب عن النفط، وإلى الساحل من أجل إبرام اتفاقات اقتصادية وسياسية ودينية.

إلا أن الكاتب الإيطالي ماركو أنسالدو المختص في الشؤون التركية يصف أردوغان بالسلطان الجديد الذي لم يرث من الدولة العثمانية حتى رؤيتها أو جلَدَها، بل هو اليوم فوق بركان في الشرق الأوسط.

وقال أنسالدو “الغطرسة والانتهاك الممنهج للقوانين الدولية لا علاقة لهما بالعدالة واحترام قواعد اللعبة الدبلوماسية. وقد بات سيد البوسفور، الذي يملأ الدنيا صياحًا في كل منتدى دولي، محط أنظار الجميع، لكنهم ينظرون إليه بشق الأنفس”.

ولا يتردد أردوغان في القول بأن طموحاته تتعارض مع مصالح بعض الدول، وإن اضطُرّ فإن تركيا ستمضي بمفردها نحو أهدافها المحددة.

وأضاف “في الوقت الذي نخوض فيه عمليات نضالية حرجة في سوريا وليبيا والبحر المتوسط، نلاحظ قيام بعض الأطراف بإطلاق نقاشات داخلية لا تستند إلى أية أدلة، ولا تعود بأي فائدة على الديمقراطية والاقتصاد والأمن في تركيا، وإنما الهدف منها التفريط في الطاقات التركية”.

واعترف أردوغان للمرة الأولى بمقتل جنود أتراك في ليبيا قائلا “فقدنا هناك بعض الجنود، لكن في المقابل حيّدنا حوالي 100 عنصر من الميليشيات المرتزقة”.

وكان مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي خالد المحجوب قد قال لقناة “آر تي” الروسية إن “16 قتيلا من الجيش التركي سقطوا على أيدي القوات المسلحة الليبية حتى الآن ونعد الرئيس التركي بالمزيد”.

وفي سوريا، لم يسلم الجيش التركي المتواجد على الأراضي السورية من القصف الروسي، كما وأن أزمة أردوغان ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية باتت متفاقمة بعد الحملة العسكرية التي شنها النظام وروسيا في شمال غرب سوريا.

ويُجمع أغلب الخبراء السياسيين على أن أردوغان سيخسر كل شيء، “سلطته، وربما حياته”، إذا بدأ عملية عسكرية في إدلب، لأن الجيش التركي لن يستطيع مواجهة تحالف سوري روسي على الأراضي السورية.

واعتبر تشارلز ليستر الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب في معهد دراسات الشرق الأوسط، أنه “بالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تمثل الأزمة عبر حدود بلاده الجنوبية مشكلةَ بقاء”.

وكتب ليستر في صحيفة صانداي تليغراف البريطانية قبل نحو أكثر من أسبوع “الأسوأ بالنسبة إلى تركيا هو الهزيمة في إدلب، لأنها ستؤدي إلى أضرار عسكرية تلحق بجيشها في مناطق أخرى شمالي سوريا ولا يمكن إصلاحها حيث يُنظر إلى هذه المناطق داخل تركيا على أنها حزام أمني في مواجهة التهديدات الإرهابية المزعومة من جانب قوات سوريا الديمقراطية”.

ويبرر الروس سبب شنهم الحملة العسكرية على آخر معاقل التنظيمات الإرهابية المؤتمرة تركياً في شمال غرب سوريا بعدم التزام أنقرة وإرهابيوها بشأن اتفاق خفض التصعيد الذي جرى في سوتشي.