عبد الكريم البليخ
العجز الذي يُحبط الحكومة السورية في الوقت الحالي صار يُبعدها تماماً عن إيجاد أي حل معلن من شأنها أن تقدم عليه، وأن ينقذ واقع النقل الداخلي الذي يأخذ حيزاً مهماً من اهتمام المواطن.. وهذا النقل الذي يلزم الناس، والعاملين في القطاع الحكومي الالتزام به والصعود إليه برغم المعاناة اليومية التي يواجهونها وطوال أيام الأسبوع، والتي تتطلب من بعض العاملين من أن يستقلوا يومياً ما يزيد عن أربع حافلات وأكثر للوصول إلى وجهة عملهم وسط العاصمة دمشق، وهذا كله لم يعفِ المواطن من سماعه عن كثرة حالات النشل التي يتعرّض لها ركّاب حافلات النقل الداخلي، فضلاً عن حالات التحرّش التي تتعرّض لها الطالبات الجامعيات داخل الحافلة، ولم يعفها من التعرّض لكثير من الحالات وبدون واعز من ضمير.
إنَّ تفاقم أزّمة النقل الداخلي في سوريا، وفي مدينة دمشق على وجه التحقيق، التي يعتمد عليها المواطنين، وبالأخص العاملين في الدولة، لأنها تحل جزءاً كبيراً من مشاكلهم، والحال كذلك في كل من مدينتي اللاذقية وحلب.
وفي هذا الإطار فالحكومة عاجزة عن إيجاد أي مخرج أو حل يرضي المواطن، بل أنَّ ذلك العجز زاد من حوادث الدهس والسرقة والتحرّش في الكثير من وسائل النقل الداخلي، والسبب هو إقبال المواطن على تلك الحافلات، وهذا ما يعني زيادة الضغط عليها. ورغم الاقبال فإن الحكومة زادت من ارتفاع أسعار المازوت، المادة المخصصة للنقل العام في السوق السوداء، وجاء استصدار الحكومة إلى عدد من القرارات بهدف تقنين مخصصات النقل العام مع التشدّد في الاجراء الرقابي عليها.
ومن بين تلك الاجراءات تنفيذ الخطط المقررة، فعملت على إلزام أصحاب الحافلات بتركيب أجهزة تتبع “جي بي سي” للحد من سائقي تلك الحافلات والمسؤولين عنها من استغلال هذا الخدمة المهمة في حياة المواطن، والعمل قدر الامكان عن وقف بيع المازوت في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وكذلك إلزام سائقو الحافلات على تنفيذ رحلاتهم اليومية في إطار برنامج معد لذلك.
وهذه القرارات أسهمت في تفشّي العديد من الظواهر الاجتماعية السيئة على نحو غير مسبوق في المجتمع السوري، وكان لحوادث النشل والتحرّش من أسوأها وأكثرها انتشارها، حتى أنَّ هذه الصورة المثيرة للدهشة لم يكن المواطن السوري يشاهدها، أو سبق له أن عرفها في أثناء ذروة الثورة السورية، الحرب اللعينة التي تحمّلها المواطن السوري نتائجها وما زال يدفع فاتورتها، والمأساة التي حلت به، ما يعني انتشار حالات النشل التي تتمّ أثناء التدافع في حال الصعود إلى الحافلة، وهذا منه كثير، لا سيما أنّ أغلب النشالون ينشطون ويندسون بين المتدافعين مستغلين الازدحام الشديد، وهذا ما يعني سرقة ما يحلو لهم من الركاب في الحافلة الذين يستقلونها للوصول إلى أشغالهم!
حالات النشل من ركاب الحافلة تتعدد بصورة يومية، ولم يعد ينفع معها كل الضوابط التي من شأنها أن تحد من هذه المشكلات العقيمة التي تحدث بصورة مستمرة.
وقد ظهرت إلى الواجهة العديد من السلوكيات التي تلجأ إليها الطالبات، أو غيرهم حيال المتحرّشين للدفاع عن أنفسهن، ومواجهة ذلك السلوك الذي ينمّ عن صورة تعكس واقع مجتمع منهك وميؤوس من الحال الذي يعيشه أبناؤه، ومثال ذلك استخدام الطالبات أو غيرهن أدوات حادّة، أو دبابيس الوخز، أو اللجوء إلى الدوس على قدمه، وغير ذلك لإبعاده عنهن.
مشكلة التحرش صارت عادة سيئة يلجأ إليها البعض للوصول إلى هدف ما، وكثير من الطالبات بتن يُفضلن الصمت وتجاهل المتحرّش حتى لا تكبر المسألة وإبقاء ذلك ضمن محيط ضيق!
وفي الإطار نفسه، فإن حوادث حافلات النقل الداخلي في سوريا أخذت أبعاداً شتى، وراح ضحيتها خلال الفترة القصيرة الماضية أربع ضحايا.
ومنها ما فجعت به مدينة دمشق بدهس شاب بعمر الورود لا يتجاوز الـ 16 ربيعاً من قبل حافلة نقل داخلي، ضمن المركز الرئيسي لتجمع حافلات النقل الداخلي، وقتل شاب في دمشق أيضاً جراء سقوطه من الحافلة أثناء محاولته الصعود إليها نتيجة انزلاق قدمه. وفي حادثة أخرى تعرضت سيدة في ساحة الشيخ ضاهر في مدينة اللاذقية للدهس أثناء محاولتها الصعود للحافلة، حيث سقطت أرضاً ودهست الحافلة على قدمها، كما قتل شاب جراء سقوطه من حافلة تعلّق بها في مدينة حلب.
هذا هو واقع النقل الداخلي المرعب والمخيف وما آل إليه في سوريا، فأيّ حلول اسعافية يمكن للحكومة اتخاذها حتى يتمكن المواطن من اخضاعها لرغبته وتلافي الصعاب التي من شأنها أن تخفّف من وطأة هذه المعانا، ووضع أكبر عدد ممكن من الحافلات في الخدمة، تلافياً للأزمة القائمة، ولحالات النشل والتحرّش الجنسي التي تتعرض له الكثير من الطالبات بصورة يومية، ناهيك بتأمين المحروقات المخصصة لتلك الحافلات، حتى يتسنى للمواطن أن يستقلها بعيداً عن أي مشاكل يمكن أن تقف عثرة في طريقه.