لكل السوريين

الجّلة ترجع إلى قرى الساحل لقهر برد الشتاء

اللاذقية/ سلاف العلي

منذ زمن بعيد، من أيام المحتل العثماني، وأيام الفقر والجوع والقحط وأيام سفر برلك، كانت إحدى وسائل التدفئة في أرياف الساحل السوري، الجلة أو الكسح، وتعد مادة الجلة والكسح، من مخلفات المواشي كالبقر والماعز والغنم، ويتم تجميعها وتخميرها منذ أيام الصيف، بعد تجميع الدواب في زريبة مغلقة، لتشكل بتجمعها من فضلاتها وترسبها تحت أقدام المواشي، طبقة تسمى الجلة او الكسح.

وهذه المادة التي كانت تحمل على الحمير، تذهب لتباع الى القرى في ارياف بانياس وطرطوس وجبلة واللاذقية، بأسعار رمزية، ومجانا في بعض الأحيان، كما تقص الحكايات القديمة والتاريخية.

لكنها من جديد عادت إلى الواجهة، محملة على الجرارات، وبأسعار ليس بقليلة، تصل إلى500ألف ليرة سورية، للنقلة الواحدة بواسطة جرار زراعي او سيارة بيك اب صغيرة, في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار وسائل التدفئة كالمازوت والحطب، وتخلي الدولة عن دورها الرعائي.

المادة التي أخفاها الزمن وتم نسيانها، والكثير من الأجيال الجديدة لا تعرفها، عاودت الظهور بعد فشل الحكومة السورية بتأمين وسائل التدفئة الحضارية للسكان، من مازوت وغاز، ومع ندرة توفرها والحاجة الماسة اليها.

الجلو او الكسح تثير حفيظة من يسمع هذه المفردة وخاصة لمن لم يعش تلك أيام الفقر والمحل ، وتوجد صعوبة حتى عند أبناء القرى في يتقبل فكرة استخدامها من جديد، رغم انها في ازمانها، كانت من الوسائل الفريدة المدرجة بالاستخدام داخل المنازل، ولا سبيل لاستبدالها. ويبدو أننا بفضل حكمة وفرادة الحكومة أصبحنا نرجع إلى وراء سنين وسنين، فبينما يتطور العالم في إيجاد وابتكار وسائل الطاقة، تتفنن الحكومة في حرمان الشعب، من أبسط حقوقه.

لا تتوفر مادة المازوت إلا في السوق السوداء ومتى ما نريد ، حيث سجلت أسعارها ارتفاعاً قياسياً، بلغ 8000 الى 10000 ليرة سورية، لليتر الواحد. وبهذه الحسبة، يتراوح سعر برميل المازوت، بين مليون وستمائة ألف، ومليونين.

ولا يكفي برميل المازوت، أكثر من شهر واحد للتدفئة في الشتاء، إذ تحتاج العائلة، لثلاثة براميل، وسطيا، للخروج من الفصل البارد، وتصل تكلفتها إلى حدود ستة ملايين. هذا الارتفاع الجنوني لأسعار المازوت، يجعل التدفئة بوساطته، نوعا من الرفاهية العالية لمن يستخدمها.

ولا داعي للحديث عن المخصصات المدعومة من الحكومة السورية، التي من المفترض أن توزع 200 ليتر لكل عائلة، وفق بياناتها، بالسعر المدعوم، ويبدو أنها في العام الحالي، لن توزع أكثر من 50 ليتر، على دفعتين، بعد ان وزعت في العام الماضي، بين 50 ليتر و100 ليتر كحد أعلى، لكل عائلة. وهذه الكميات، قد تستغرقها العائلة خلال اسبوع ولحد، في أيام البرد القارس، وعلى ما يبدو ستبقى البطانيات الاسعاف الوحيد لأطفاله من تحتها.

أبو ماهر من ريف القدموس قال لنا: لا تكفينا حصة المازوت إلا قرابة العشرة أيام على الاكثر في فترات الصقيع والمنخفضات المتلاحقة وايام الثلج، وتستمر الانخفاضات الجوية حد الثلاثة أشهر كل عام، لتنتهي مؤونة الحطب والأعواد التي جمعناها، وهذه السنة سنلجأ الى الجلة والكسح، وهذا لسان حالي وحال كل سكان هذا الجرد، وليس لنا القدرة على شراء المازوت الحر بعد أن تجاوز سعر الليتر منه بالسوق السوداء على الأرصفة والطرقات، قرابة10000 وستزيد بالأيام القادمة.

أبو طانيوس وهو من قرى ريف صافيتا، جاءت الشتوية وجاء معها كل أنواع المعاناة، من منخفض جوي الى اخر ومن صقيع الى ثلج الى انقطاع الطرقات، الى عدم توفر وسائل التدفئة لنا ولأولادنا، نذهب الى البرية ونتسابق على الحصول على عود خشب وبالأخير سنلجأ الى الجلة والكسح، الحمد ان متوفر وأرخص وبيدفي، رغم ان دخانه بيعمينا عمي، شو بدنا نسوي لا يوجد حل، فمازوت الدولة، بالتأكيد بدهم يقسمولنا الحصة 200 لتر الى شي ستة اقسام.