لكل السوريين

فتيات يكسرن التنميط للعمل

بدأت المرأة الحمصية تشاهد في مواقع غابت عنها سابقاً، فمع الانفتاح والحاجة للعمل بدأت النساء والفتيات الانخراط في مجالات مهنية محظورة اجتماعياً ومارسن مهناً كانت حكراً على الرجال وكسرن التنميط لكثير منها.

يخلق كسر التنميط على أساس الجنس للمهن حالة جدلية في المجتمعات قد يتكفل الزمان أو المكان بإلغائها وتقبل التغيير الذي تحاول صنعه بعض النساء.

وفي مجتمعات ما زالت الأعراف فيها مصدراً تشريعياً للسلوك الاجتماعي والاقتصادي كالمجتمع السوري، لايمر كسر النساء لهذا القالب مروراً سلساً كأي حدث اعتيادي من قبل شاهديه ما يحتم على تلك النساء تلقي ردود فعل من المحيط سواء كانت سلبية أم إيجابية، فأحياناً يتلقين التعاطف والتشجيع وأحياناً أخرى يتعرضن للاستنكار والوصمة ما يدفع بالبعض منهن إلى إخفاء عملهن بأقصى قدر ممكن.

كحالة مرام التي لم تعلم في السابق عن الإدارة المحاسبة ولم تتسن لها الفرصة لتحقيق ذلك، إلا بعد محاولا لإقناع أهلها بتحقيق حلمها بدخول مجال الإدارة، وهذا ما فعلته، تخرجت وبدأت العمل في أحد المطاعم بحمص.

ولأن العرف السائد أن العمل في المطاعم بكل مستوياته هو للرجال فقط لم يكن سهلاً على الشابة إقناع عائلتها بأنها الشخص المناسب لهذا العمل، فهي بنظرهم “وظيفة بعيدة عن منطق العائلة وخارجة عن المألوف ومستفزة”.

عانت مرام في البداية من تحفظات العائلة على طبيعة عملها الذي يتطلب الاختلاط المستمر وصعوبة التوفيق بين تجنب الاختلاط ورضا العميل وحاولت تجاوز ذلك بتقديم الكثير من التطمينات قبل البدء بالعمل والتأكيد على أنهم سيكونون المرجع الأول لها في كل خطوة.

لا يعني كسر التنميط على أساس الجنس للمهن دائماً تعارضه مع الأحكام الدينية والأعراف الاجتماعية المحافظة فعلى العكس تقول مها التي تعمل كسائقة سيارة أجرة في مدينة حمص، إنها تتلقى ردود فعل إيجابية من عملائها و”زبائنها”.

على الرغم من دراستها لكلية الطب البيطري لم تعمل مها (37 عاماً) في تخصصها فقد تزوجت وهي في سنتها الدراسية الأخيرة واستقبلت طفلتها الأولى فور التخرج وانغمست في واجبات الرعاية والمنزل ما منعها من التفكير في العمل بعد التخرج على حد قولها، ومع توالي الحمل والإنجاب وتزايد واجبات الرعاية، وتلاشت فكرة العمل لدى مها نهائياً.

ومن أبرز التحديات التي تواجهها النساء اللواتي يكسرن القوالب المهنية على أساس الجنس البشري”هي الوصمة المجتمعية” التي تطول أحياناً أطفالهن أو عائلاتهن كتجريدهن من الأخلاق أو تشبيههن بالرجال أوتجريدهن من الأنوثة أحيانا، حتى عندما تصل المرأة إلى مراكز صناعة القرار في مجتمعاتنا تنسب قدرتها على الوصول لهذه المواقع لتنازلات أخلاقية قامت بها ويشار إليها على أنه تم استغلالها واستخدامها من قبل الرجال للوصول إلى هذه المناصب وفي نفس الوقت تجد بعض النساء حلقات دعم تسهل عليهن كسر هذا التنميط.

تحدد الأمم المتحدة المساواة بين الجنسين والحد من أوجه عدم المساواة بكل أوجهه كهدفين أساسيين ضمن أهداف التنمية المستدامة، وعن حرية اتخاذ القرار في العمل تنص المادة 23 من حقوق الإنسان إلى أن “لكلِّ شخص الحق في العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية”.