لكل السوريين

من التراث المادي الرقاوي.. الأديرة السريانية في “الرقة”

إعداد/ الباحث محمد عزو

تُعدْ منطقة “الرقة” أكثر المناطق التي تحفل بالأديرة المسيحية السريانية، ومرد ذلك أنه بعد استتباب الأمن، والانفتاح الديني والتسامح بعد الفتح العربي الإسلامي، أصبحت منطقة “الرقة” تزخر بالأديرة، حتى تجاوز عددها عن ثلاثمائة دير بما في ذلك منطقة “الرها”.

ولعل أبرز تلك الأديرة قاطبة دير “الرصافة” ، ويسمى أيضاً بدير “حنينا”، الذي اعتنى به الخليفة “هشام بن عبد الملك” وقام بصيانته، كان هذا الدير يتوسط مدينة “الرصافة”، وقد اشتهر بحسن عمارته، وحل على هذا الدير ضيفاً الشاعر” أبو نواس” وهو في رحلة من ” بغداد” إلى الرصافة.

الخليفة العباسي “جعفر” المتوكل” مر بدير “الرصافة” قادماً من الشام، وعرف بأمره رجل من أبناء “روح بن زنباع” الذي كان في الدولة الأموية صاحب الشرطة أيام الخليفة “عبد الملك بن مروان”، وحسب “ياقوت الحموي” أن هذا الرجل “الزنباعي” جاء ونزل دير “الرصافة” وكتب قصيدة يمجد فيها أبهة سكن الخليفة “هشام بن عبد الملك” في “الرصافة” ألصقها على أحد جدران الدير، وقرأها الخليفة “المتوكل” فاستاء، وأمر برقعها يقول في مطلعها:

“أيا منزلاً بالدير أصبح خاوياً/ تلاعب فيه شمأل ودبور

كأنك لم تقطنك بيض نواعم/ ولم تتبختر في فنائك حور

ولشهرة هذا الدير وشيوع صيته في أقصى البقاع عرفت “الرصافة” باسم “دير الرصافة” ، وهناك مجموعة من الأديرة الأخرى منها “دير مار زكى”، الواقع بإزاء “الرقة” بالقرب من تل “البيعة”(توتول القديمة) من جهة الشرق، كان هذا الدير من أديرة السريان المشهورة، شيد سنة/500م/ وفي هذا الدير حدثت قصة “سعد الوراق” الشهيرة، وكان هذا الدير يضم مدرسة لاهوتية.

وكان محجاً لسكان قرى “البليخ” و”الرقة” و”الرها”، قال الشاعر “الصنوبري” فيه من مقطوعة:

– “كم غدا نحو دير زكى/ من قلب صحيح فعاد وهو حزين

– لو على الدير عجبت يوماً/لأهتك فنون وأطربتك فنون

لائمي في صبابتي قدك مهلاً/لا تلمني إن الملام جنون

–  ظل هذا الدير عامراً حتى نهاية القرن العاشر الميلادي، ومن أشهر رهبانه الأب” ثاردور”.

–  دير “قنسري”: كان هذا الدير يقع على ضفة “الفرات” اليسرى الشرقية قبالة مدينة “جرابلس”، بُني هذا الدير في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، وظل ديراُ مزدهراً إلى القرن التاسع، دمره الخوارج، ورُمم في عام ”822 م”، ثم ألحق بأبرشية “سميياط”، وظل عامراً في الخدمة حتى نهاية القرن الثالث عشر للميلاد.

–  دير الباعوث: كان هذا الدير يقع على الجانب الأيمن ل”لفرات” بين “الرقة” و”منبج” ، كان محمياً من مجموعة من الأعراب وكان لهذا الدير مزارع، وبساتين مر به الشاعر” الكندي” المنبجي، فاستحسنه لطيب عمارته، وعذب هوائه، ثم نام به ليلة وأخرى وقال فيه قصيدة ثبتها” ياقوت الحموي” في معجمه الجغرافي. وهناك أديرة سريانية أخرى كانت منتشرة في أرض” الرقة” سيأتي الحديث عنها لاحقاً، إن شاء الله.