لكل السوريين

عملية المد والجزر في سوريا –رؤوف قره قوجان

بعد اجتماعي طهران وسوتشي كلما كشف زعيم حزب العدالة والتنمية والدكتاتور المدني لتركيا أردوغان نواياه المتعلّقة بسوريا قُهرَ وقلبَ جميع الحجج التي كان يحافظ عليها حتّى الآن وبدأ بالسّعي لإقامة علاقات جديدة وهذا وضع جديد. وحقيقة أنّ العلاقات مع حكومة دمشق أصبحت إلزامية تشير إلى فشل سياسات الدولة التركية في سوريا. فلو كان هناك انتصار عسكري وسياسات من شأنها أن تعود بفائدة طويلة الأمد لتركيا لما احتاجت تركيا للحوار مع نظام الأسد. فعندما لم يتحقّق هدفهم في سوريا عكسوا موقفهم وقالوا: “هدفنا في سوريا ليست المنطقة، بل وحدة سوريا”.

لنفهم هذا الأمر على أنّه نيّة حسنة وأنّهم يسعون لإجراء حوارٍ جديد في سياق علاقات الجوار مع سوريا. ولكن بحسب الوضع على أرض الواقع، فإنّ الأشياء المرجوة لا تتحقّق. عيونهم ليست على سوريا! بل احتلال مساحةٍ واسعة وضمّها للأراضي التركية. فالمؤسسات التي تؤسّسها الدولة التركية تدرّس باللغة التركية وتستخدم الليرة التركية. وليس من الصدق بالنسبة لهم القيام في سوريا بما لم يتمكّنوا من القيام به في تركيا. باختصار، سيقومون بالكثير من الأكاذيب، وبلهجةٍ مرنة والألاعيب بإظهار أنفسهم كرسل للسلام والاستقرار والديمقراطية.

كيف يتحدثون عن الحوار والقنابل تنفجر. يموت الجنود السوريون في الهجمات التركية، روسيا تقصف إدلب. يسعون للوصول لمراحل جديدة بقنابلهم. أمالهم تتحطّم عند الحديث عن تحسين العلاقات. من المتوقع أن تصبح العلاقات بين أردوغان وأخيه الأسد إضافة إلى عائلاتهم جيّدةً جدّاً وحتّى أفضل من السابق. ليحميهم الله من الحسّاد! لم تتبقَّ إهانة لم يوجّهها زعيم حزب العدالة والتنمية للأسد ويقول الآن إنّه سيبني علاقةً أقوى من السابق. أليست الدول تغضب من بعضها البعض.

وحتّى لو كان التقارب مبنيّاً على جديّة الوضع، لكنّ الموقف الحالي الذي تحتله الدولة التركية في سوريا لا يقدّم أساساً للحوار مع الأسد. حتّى لو اجتمعوا بوساطة روسية في اجتماع شنغهاي فسيظل الأمر كرسالة يوجّهها بوتين إلى الخارج. لأنّ وجود أردوغان في سوريا التي يتحدّث عنها حاليّاً متناقض. إنّه يتحدّث عن ضم مجموعات المرتزقة الإسلامية لإدارة الأسد. وبغضّ النظر عمّا يقوله الزعيم أردوغان فإنّ مسؤولو حزب العدالة والتنمية يصطفّون واحداً تلو الآخر وكأنّ أقوالهم قد قالها الشخص ذاته. وليست الأوساط المحيطة به فقط، بل من المحتمل أن يُرحّب حزب الشعب الجمهوري وأحزاب أخرى بالعلاقات مع سوريا. وكانت ميرال آكشنر (زعيمة حزب عنصري معارض) قد قالت إنّها تريد الذهاب إلى دمشق إذا عيّنتها الحكومة.

روسيا وإيران الداعمتان لنظام الأسد، وضعا خطّةً لأردوغان منذ زمن. لقد أكملوها بعض الشيء في سوتشي وسلّموها لأردوغان. في الواقع إنّهم يجمعون بين أردوغان والأسد في مثل هذا الوضع الذي لا يريدانه ولا يتمكّنان منه. أحبط الكرد حسابات أردوغان في سوريا. ولهذا يهاجم الكرد. كان يقول إنّه سيجعل الكرد يحاربون الأسد ويجعلهم لقمةً سهلة. لكن الكرد جعلوه يدفع ثمناً باهظاً. وآلام ما قاموا به بحق الكرد ستظهر بشكلٍ أوضح لاحقاً. وسيكون هناك ثمنٌ لمعاداة الكرد في الانتخابات القادمة. وستظلّ القضية الكردية مصيبةً دائمة بالنسبة له في سوريا والعراق وفي علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

تغيّرت الأهداف الأساسية لروسيا والولايات المتحدة الأميركية. فالصين وكوريا الشمالية تقومان بمناورات عسكرية شاملة شرق الباسفيك، فيما تقوم الولايات المتحدة الأميركية وتايوان بمناورات ردّ واسعة. كما هناك قرارات مشتركة بين خمسة دول للقيام بمناورات في البحر الأبيض المتوسط. وحالة الاستعداد واضحة لتحديد العالم المستقبلي. وهذه الدول العالمية لن ترغب بأن تترك وراءها سوريا تشغلها. ولهذا وبغضّ النظر عن عدم رغبتهم بهذا إلّا أنّهم سيجمعون بين الأسد وأردوغان بطريقة ما. وبالطبع لن تكون هذه العملية؛ عمليةً متفائلة. بل على العكس، فإن حركات المد والجزر في هذه العملية كثيرة. ينبغي ألّا يُقال إنّ الدولة التركية تخلّت عن العمليات العسكرية. فهدف الحوار مع الأسد هو مجدداً الكرد.

بسبب عدائها للكرد، فإنّ تركيا تحمل العصي القذرة في كلتا يديها. فلتفعل ما تشاء لكن هذه القذارة ستبقى ملتصقة بها. وأكثر الحلول منطقية هو التخلي عن العداء. سنشهد العديد من التناقضات في القضية السورية بعد. وبغض النظر عن مدى عرض اتفاقية أضنة كإطار لاجتماع أردوغان- الأسد فإنّ احتمالية حدوث هذا مشكوك فيه. إنّ اتفاقية أضنة أشبه بعباءةٍ انجبر حافظ الأسد على إلباسه لسوريا في عهده. وقد تم توقيعه بعد مغادرة القائد آبو سوريا بعشرة أيام. وقد أبرم هذه الاتفاقية لإنهاء التهديدات ضد سوريا.

بدلاً من الأقوال، ستكون الخطوات العملية هي الحاسمة في الميدان. وطالما هناك مصائد تُنصب للكرد فإنّ المراحل في سوريا ستنتهي قبل أن تبدأ.

وكالة هاوار الإخبارية