لكل السوريين

بسبب التقنين.. نساء ريف حمص يحيين تجفيف المونة بعد اندثاره لسنوات

حمص /السوري

جرت العادة السورية في كل المحافظات دون أي استثناء أن يكون هناك وقت في السنة (في الصيف) يُقال له وقت (المونة) أي المؤن، فالسوريون ولأن طعامهم يشمل كل أنواع الخضار التي قد لا تتوفر في الشتاء، وجدوا أنه من الواجب أن يحتفظوا أنواعاً من الطعام بمختلف الأشكال والطرق، لتكون ذخيرة يستعينون بها في أيام الشتاء وقلة المواد الغذائية.

 

المونة هي كل أنواع الطعام التي يحفظها السوريون في أوقاتها الموسمية الطبيعية لضمان وجودها في الشتاء، وتشمل كلمة المونة الخضروات والبقوليات والمخللات والمربيات والحبوب والنباتات والسكر والزهور والأعشاب، وكثيراً ما تُغطي المونة حاجة أهل البيت لسنة واكثر، ويتم تخزين كل ما يمكن تخزينه في ذلك المكان الذي يُسمّى “بيت المونة”.

 

وعلى سطح منزلها في ريف حمص الشرقي، تمد أم ربيع قطعةً كبيرةً من القماش على الأرض تحضيرًا للبدء في صناعة المؤن، وتضع عليها ما تريد تجفيفه من مواد للمؤونة الشتوية، وترى المرأة الخمسينية أن هذه الطريقة هي الأكثر صحية من تخزين المواد في الثلاجة، وحتى هذه الطريقة لم تعد متوفرة بسبب قلة الكهرباء.

 

وبالرغم من أن طريقة تجفيف المواد تُعدّ قديمةً، اليوم عادت هذه الطريقة مرّةً أخرى مع بدء الحرب السورية، وازداد الاعتماد عليها أكثر، خاصةً خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب ساعات التقنين الكهربائي، وتحولت الكثير من الأجهزة الكهربائية لأدوات تأخذ حيز مكانب في المنازل دون الاستفادة منها.

 

تعلّمت النساء وخاصة في ريف حمص طريقة تجفيف المؤونة، أو ما يعرف محلياً باسم “التيبيس”، من والداتهن وجداتهن، وبالرغم من أن الكهرباء في ذلك الوقت كانت متوفرةً 24 ساعةً يومياً، ولكن حالياً الوضع اختلف بشكل كبير، فالكهرباء تأتي نصف ساعة مقابل ست ساعات قطع، وهو ما دفع بكثيرات من السيدات في ريف المدينة إلى الاعتماد على تجفيف المواد.

 

ولا تعتمد الحكومة برنامجاً ثابتاً في تقنين الكهرباء، ولكن ساعات التغذية تقلّ أكثر خلال فصلي الصيف والشتاء، وتحتاج المؤونة إلى التبريد ضمن الثلاجات بكهرباء متواصلة حتى لا تتلف، ولكن برنامج التقنين الجائر، جعل خيار التجفيف هو الحل المناسب عوضاً عن تفريزها في الثلاجات.

 

ولطالما كانت وما زالت المرأة السورية ربة منزلٍ ممتازة، ويشهد لها بذلك كل أفراد عائلاتها وحتى نساء البلدان الأخريات، فلا يوجد شيء لا تستطيع هذه المرأة أن تقوم به، وهي قادرة على القيام بكل الواجبات حين يتعلق الموضوع بالزوج أو الأطفال أو البيت وتكون واجباتها على أتم وجه.

 

ودائماً كانت المائدة السورية التي تحفل بكل أنواع الطعام والطيبات، مائدة لا تضاهيها موائد الشعوب، ولا يُمكن أن يخطر شيء على بالك من خضار السنة إلا وستجده في كل أوقات السنة التي لا يوجد فيها، لسبب بسيط، أن السوريين يتبعون نظام المونة، ويدّخرون طعاماً للشتاء لتبقى موائدهم عامرة بالأطايب.

 

وتُقسم المونة في ريف حمص إلى أنواع عدة، أهمها: المونة الحامضة والمالحة، كالألبان والأجبان والمخللات على أنواعها، والمونة الحلوة كالمربيات بمختلف أنواعها (تين، عنب، قرع، تفاح، خوخ، مشمش، وكرز)، والخضار المجففة مثل الباذنجان، الملوخية، القرع، البامية، والبندورة.

 

وكان للمونة السورية طعم خاص، لكن الحرب المشتعلة لم تبقِ لأي شيء نكهةً، بعد أن اندثر الكثير من العادات والتقاليد السورية بسبب الهجرة والنزوح والفقر الذي بات يخيم على السوريين، ومع تدهور الوضع الاقتصادي للسوريين في الصيف الحالي.

 

وخفّض أهالي ريف حمص من كميات المونة التي يضعونها في البرادات، لأن هذا التدبير لا ينجح مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ما يؤدي إلى تلف مونة الأهالي، ويسبب خسائر ماليةً لم تكن في حسبانهم، وكان الحل البديل استغلال الشمس والاستعانة بطرق الأجداد في الحفاظ على ما يسد رمقهم في أيام البرد.