لكل السوريين

ما كان وما سيكون

عبد الكريم البليخ 

ما هي الصيغة التي يمكن أن نصل بها إلى عقل القارئ العربي، وبأي اتجاه يمكن معه أن نحاوره، وأن نطلق بعض الأعيرة النارية، حتى يمكن له أن يلتفت إلينا، ونحن نخوض هذه التجربة من خلال طرح العديد من التساؤلات، والتي ندرك تماماً ما مدى عفويتها من جهة، وآلية عملها من جهة أخرى؟

وهل يمكن أن تُحقق معها مطالب مرؤوسنا العربي وآماله وتطلعاته، في زمن صار الواحد منا يستسهل معه، وفي ظل آلية النشر السريعة، قول ما يريد، بعيداً عن عين الرقيب، باستثناء مراقبة الضمير لها، وبصورةٍ خاصة من خلال قنوات المواقع الاجتماعية المتعددة، والحرية التي تتيحها، في إبداء رأيه وإن كان خاطئاً فيه، حتى يتمكن من الوصول وبرغبته إلى الجهة التي يريد، وإلى المسؤول الذي هو في موقع القرار.

وليس من السهل بمكان أن نغمض أعيننا، وأن ندير ظهرنا، وأن نحبس أنفاسنا عمّا يدور من حولنا، وتحت مرأى العالم كله، والوقوف متفرجين بلا حول ولا قوة، والحصيلة من كل ذلك هو: ما الهدف، والمعنى مما حدث ويحدث الآن على الساحة العربية التي تعيش في دوّامة من الاقتتال، والخسائر التي تفقدها خزائنها المالية مع صباح كل يوم على حساب المواطن العربي البسيط والفقير والمهزوم، الذي فضّل الهجرة والانتحار ومجابهة الموت على العيش في إذلال وحاجة؟!

يتساءَل أحدهم عن ما هية الأحداث، التي تستهدف الوطن العربي من محيطه إلى خليجه؟ وإلى متى ستتوقف كرة اللهب، التي وكما يبدو لها، ستظل تتدحرج وتأكل الأخضر واليابس، ولم تعد بإمكانها أن تتوقف عن التدحرج، لأنها صارت تضرب وبقوّة، وأمامها نيران مرتفعة، وتخلّف وراءها الدمار والخراب، والقتل والحرمان والتشرّد والفقر؟!

هكذا أصبح حالنا، وإن هذه الكرة، ستستمر في قضمها وسرعتها، وحدها تواجه هذا الطوفان من الأسئلة التي تضاربت الرؤية والتحاليل حول ما أثاره الربيع العربي، الذي نغّص حياة الكثيرين، والشرّ المستطير الذي حلّ بالأمة العربية.

صحيح أنَّ هناك من هم على قدر كبير من القوّة والإمكانية، ولديهم أدوات التسلّح القادر على صدّ أي تدخل داخلي أو حتى خارجي، واعترافهم بالأحداث، إلّا أنهم لن يخلصوا من هذا الشرّ الذي دقّ أطنابه في كل مكان.

إنَّ الأحداث ومجرياتها صارت تشكل عوامل ثقل كبيرة، وأنه يلزمها وقفة صريحة مع الذات، مع هؤلاء الذين كانت لهم اليد الطولى في إثارتها، ولم يكن بالإمكان بعد أن يطفئا نارها تخوّفاً من أن تُلحِقَ بهم الضرر، وهذا ما يمكن أن يكون.

الكثير من الحالات شابها العديد من الاحتمالات، وهذه الاحتمالات آخرها ما أصبح بحاجة إلى النظر إلى الحل الذي يوقف معه هذه المشكلة التي ـ وكما يبدوـ طالت وستطول، والخاسر فيها المواطن العربي، الذي تحمّل تبعاتها جرّاء نشوب هذه الأحداث الضاربة في العمق.

نعم، تحمّل ويلاتها، وخسر الكثير جرّاء نشوبها. خسر واقع حياة، وخسر الحياة ذاتها، والعمل وفقد الحرية، وتاه، وحتى معاشرة الناس صارت في طي الكتمان، ولم يعد بمقدوره أن يعود إلى الوراء، بل تراه يتحسّر ألماً، وبشدة على كل ما فاته من أيام. أيام جميلة، ونادرة بأحداثها، كان يعيشها بشوق وبرغبة، أما اليوم فانّه يصعب عليه الاختيار، وهو مرغماً على الامتثال لرؤية من هم أدناه مرتبة وعلماً، وخبرة ومعرفة.

تحوّلت أحوال هؤلاء الشرذّمة، الذين غيّر الزمن الكثير من ملامحهم ونظراتهم، وجاؤوا يحاولون تطبيق مزاعم دينية، وإلغاء كل ما هو جميل وسار في نظر أبنائنا، وحدهم العارفون بالحياة الدنيا، ولا غير سواهم! فضلاً عن تطبيقهم للكثير من الحالات، والتي لم تكن في عرف أهل الوطن الأم من ملجأ إلّا هم، وصاروا اليوم يقرّون مبادئ، ما أنزل الله بها من سلطان، ويطبّقون في بعض المدن العربية التي حولوها إلى ولايات تتبع لهذه الجهة أو تلك، حوّلوها وتحت مسميات مختلفة، وغيروا الكثير من أسمائها، وارتبطت بشعارات، لم ترقَ لأحد، واتخذوا قرارات لم يسبق للمواطن العربي أن سمع بها أو قرأ عنها، وإنما مجرد خطوات تعجيزية، الغرض منها، هو أن يكون لهذه المجموعات رأيها، ويجب تطبيقه، بالحديد والنار وبالقوة، وإن كان يثير في المجتمع أراء تختلف عن هذا الرأي أو ذاك، والذي لا يمكن بحال، يروق حتى للإنسان الساذج، فكيف يمكن أن يأخذ به ذلك المتعلم، وغيره من عامّة الناس، لا سيما وأنَّ مجمل القرارات التي اتخذت تحولت إلى تدخل سافر في الشؤون الداخلية للشخص، وهذا ما أثار حفيظة الناس جميعاً.

ما كان وما سيكون، فيه إجحاف بحق المواطن العربي، الذي لا زال يعاني مزيداً من الفقر والفاقة والحرمان، فكيف يمكن أن نقنعه بكل ما يجري في هذا العالم الفاني، ما دام أنه ظلّ يُعاني من كثير من الأشياء وهو يعيش في فقر مدقع!

وبدلاً من أن نخفّف عنه عبء الحياة ومتطلباتها، ونؤمّن له جزءاً من احتياجاته المتواضعة، ومطاليبه الكثيرة، وأوّلها ضرورة توافر الماء والكهرباء، وهذه من الأشياء البسيطة جداً، قياساً بالتطور المتلاحق الذي يشهده العالم اليوم، فكيف يُمكنهم أن يحققوا ما يتخذونه من قرارات ساخنة، فيها الكثير من الجهل وقلة الحيلة، بحق المواطن العربي البسيط، مادام أنهم يعيشون في هذا الكوكب، وكل ما فيه من ريبة وخوف وجهل، وحرمان من أبسط مقوّمات العيش، بل أنهم يريدون أن يعيدوا هذا الكون، وكما يبدو لهم، إلى بوابات الجهل والخرافات، وأن يفرضوا عليه أساليب، واجتهادات خاصة فيها الكثير من القهر والتسلط!