لكل السوريين

الحرب الشعبية

مصطلح الحرب دخل قاموس البشرية للتعبير عن صراع بين طرفين أو عدة أطراف ممتدة لفترة زمنية مديدة بدلاً من مصطلح القتال الذي يكون على شكل صدام بين شخصين أو طرفين لفترة قصيرة لنزاع على تضارب المصالح.

مع تنامي إحتكارات السلطة والثروة تنامت وتوسعت الحروب حسب مطامع تلك الإحتكارات لتوسيع النفوذ والثروة، وتوسع نطاقها أكثر مع نشوء دولة المدن ثم الإمبراطوريات، ثم الدول الوطنية والقومية وصولاً إلى يومنا الراهن. في البداية كانت تلك الإحتكارات تعتمد على ما توفر لديها من عبيد في حروبها ومع مرور الزمن بات المقاتل الشجاع هو العمود الفقري في القتال، والقادة العسكريون المقاتلون هم الذين يحكمون المجتمعات ويعتبرون من أشراف المجتمعات كما في إمبراطوريات الإغريق والرومان. ومن الجهة الأخرى ظهرت القوى المضادة أي قوى الإحتكارات المحلية التي تتضرر من حكم الإحتكارات المركزية.

إحتكارات السلطة والثروة عملت على ضم مزيد من المقاتلين إلى صفوف جنودها ولهذا كان لا بد من إضفاء بعض القدسية على حروبها، سواء باسم الوطن أو الدين أو الدفاع عنهما، وبذلك دخلت صفة الحروب المقدسة إلى القاموس البشري أي صبغة الغزوات والفتوحات باسم الله، بينما الحقيقة كانت الغنائم والإحتكارات تكمن خلفها. وكذلك تطور سير الحروب مع التطور البشري، ففي البداية كان يتواجه جيشان وينازل قادتهما فإذا انهزم القائد أو مات يكون الجيش منهزماً، أو ربما يتواجه الجيشان فيقتل من يقتل وينهزم أحدهما ثم يستولي الجيش المنتصر على مدن وقرى وأملاك الجيش المنهزم ويفرض شروطه على المهزوم وسكانه. وغالباً ما كانت الحروب أو منازلة الجيوش خارج المناطق السكنية في ميادين وساحات واسعة مناسبة للمناورة والقتال، ولكن عندما أسفرت الحروب عن إحتلال المناطق والمدن والسكان باتت لكل مدينة أو مركز حاميتها العسكرية ضمن المدن أو بالقرب منها.

مع تطور الحروب وتوسعها تطورت وسائلها وأشكالها وفنونها أيضاً. فالأسلحة تطورت من السيف والرمح والسهام إلى الأسلحة النارية وليس البنادق والمسدسات فقط، بل المدافع والقذائف والطائرات والصواريخ وصولاً إلى أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية. أما أشكال الحروب فقد تطورت من قتال طرفين إلى حروب تستهدف المجتمعات والشعوب نظراً لأن الاحتكارات تمكنت من كسب المجتمعات التي تنتمي إليها إلى جانبها. بناء عليه وإلى جانب حرب الجبهات  ظهر ما يسمى بالطابور الخامس أي العملاء والجواسيس ضمن المجتمع المستهدف أي خلف الجبهة المعادية، ثم ظهر مصطلح الحرب الخاصة والحرب النفسية، والهدف دائماً كان إخضاع المجتمعات لإرادة إحتكارات محلية أو خارجية، أي أن المجتمعات كانت دائماً هو الطرف الأكثر تضرراً بهكذا حروب.

وحتى لا تكون المجتمعات أو الشعوب خانعة أو خاضعة لأحد طرفي الحرب كان لا بد من إيجاد وسيلة أو شكل من الحرب لحماية نفسها و لا تكون ضحية للحرب الدائرة بين الإحتكارات وأسلحتها المدمرة وأشكال حربها الخاصة والنفسية والإضطرار إلى الخنوع للأطراف المتصارعة. أي إيجاد وسيلة أو شكل من الحرب الدفاعية عن النفس، وهذا ما نسميه بالحرب الشعبية، التي تتضمن كل أشكال الدفاع عن النفس بما في ذلك حمل السلاح.

في الدولة القومية أو الدولة الوطنية استطاعت إحتكارات السلطة والثروة شد الشعب أو الشعوب أو مكونات تلك الدولة المعنية إلى جانبها باسم الوطنية أو القومية في الحرب التي تشنها الإحتكارات الخارجية. ولكن مع تسييس المجتمعات وإدراك الشعوب لواقع الحروب اضطرت إلى ممارسة الحرب الشعبية على كافة المستويات وبكافة الأشكال دفاعاً عن نفسها ومصالحها بل ووجودها. والأولوية هنا للحرب الخاصة ووسائلها. لأن الإحتكارات تتمكن من المجتمعات والشعوب إذا كانت مشتتة ومريضة في ذاتها، ولهذا تعمل على تفتيتها بزرع الفتن والنزاعات ضمنها على شكل صراعات قومية أو مذهبية أو حتى قبلية أو مناطقية، بينما التصدي لتلك الحرب ممكنة بفهم الغرض من وراء هذه الحرب، وإحترام الخصوصيات لكل إنتماء أثني أو عقائدي وحق الجميع في حياة حرة كريمة. أما الحرب الأخرى التي تهدف إلى إفساد المجتمع والبنية المجتمعية لجعله مجتمعاً مريضاً من قبيل نشر المخدرات والفساد الأخلاقي فيمكن التصدي لها بوعي المجتمع وتنوير الأجيال من نتائج تلك المفاسد والحذر من الذين يحققون الأرباح المادية بهذه الوسائل، وهذه حرب دفاعية من نوع آخر. ولهذا فإن الحرب الشعبية لا تعني حمل السلاح فقط.

لا شك أن المجتمع الذي ينظم نفسه بشكل ديموقراطي “الديموقراطية الجذرية” هو المجتمع القادر على خوض الحرب الشعبية التي حاولنا شرحها، لأن هكذا مجتمع إلى جانب تنظيم دفاعه المشروع بالسلاح يتضمن تنظيم التوعية والتدريب والمكافحة أيضاً. وهذا ما نحتاجه في مناطقنا المحاطة بالمتطفلين على الشعوب والمجتمعات وثرواتها ومقدراتها من كافة الأطراف ولا تتورع عن إستعبادها بشتى الوسائل والسبل.