لكل السوريين

“قبل الإصابة كان وضعي منيح”.. فقدت عينها لكنها لم تفقد الأمل، امرأة من حماة تتحدى العمى

حماة/ جمانة خالد 

“قبل الإصابة كان وضعي مني، وكنت أشتغل كوافيرة، وكنت كأي إنسانة في العالم أعمل بنشاط وحيوية، بخاصة أنني كنت ناجحة بعملي كتير، والعالم كلها بتحبني”.

تروي سعاد (من ريف حماة الجنوبي)، قصتها، وهي واحدة من آلاف قصص المعاناة والتحدي التي أفرزتها الحرب في سوريا، وتقول: “لدي طفلتان الأولى نور والثانية شذا، كنت أعيش حر بنفسه، وأنا طالعة من بيت أهلي ورايحة على بيتي بهي اللحظات وقعت القذيف أدامي (أمامي) تصاوبت وفقدت نظري.. وكانت معي بنتي نور تصاوبت (أصيبت) برأسها وفقدت النظر لعين واحدة وفقدت القدرة على المشي”.

نصيحتي لكل أم بتحمل بقلبها وجع وكل امرأة خسرت شيء عزيز عليها إنها تصبر وتخلي الأمل موجود ويومًا ما لاح يتحقق الحلم وتكوني ربما من أسعد الناس بالعالم.

وتابعت: “خضعت لعمليات كتير، أول عملية سويتها (أجريتها) صرت أشوف فيها شوي، لكن الطبيب قال إنو بحاجة لعملية تانية، رحت على مشافي حماة ودمشق، وقمت بعملية حقن زيت بالعين وخبروني إنو بعد ستة أشهر لازم تعملي عملية إخراج الزيت من عينك، فلما صار الوقت اللازم لإخراج الزيت من عيني أنا بهي الفترة رجعت على بيتي يلي كان بالضيعة بس للأسف لما صار وقت إني أعمل عملية إخراج الزيت من العين كانت ضيعتنا محاصرة تمامًا وما في أي مجال إني أطلع ولا بأي وسيلة”.

ضغط العين أخذ بالارتفاع أول بأول، فاستشارت سعاد كل أطباء العيون المتاحين في الحولة القريبة من قريتها، “قالولي إنو ما في أجهزة حتى نقوم بالعملية”؛ حتى فقدت البصر تمامًا ولم تعد ترى أي خيال في عينيها، كما تقول.

وتتابع سعاد: “بعد سنة وشوي قدرت أطلع على دمشق، فدخلت فورا على المشفى، وقمت بإجراء عملية، وسحبنا الزيت، لكن أخبرني الطبيب وقتها بخبر كان أصعب على قلبي من أي شيء آخر، لأنه قال إن أعصاب العين انضربت تمامًا ولا يمكن أن تعودي للنظر بعد الآن”.

تعود سعاد بذاكرتها إلى الأيام الأولى بعد إصابتها وطفلتها، وتقول: “بعد الإصابة وبعد أول عملية عاد إلي النظر جزئيًا شكرت الله على ما أعطاني بأني رأيت أطفالي من جديد وسأبقى معهم نحلم سويًا”. والآن بعد أن تأكد فقدانها لبصرها، تقول: “كان شيء محزن.. شو ذنبي وأطفالي؟! شو لاح يصير فيهم؟ أنا أم ما عملت لحدا أي شيء، وأطفالي ما شافوا من دنياهم شيء، لهيك أنا صبرت كتير.. احتضنت أطفالي وعندي أمل بالعودة أفضل من قبل”.

تروي سعاد أنها في أيام إصابتها الأول أنها تعرضت لإصابة ثانية في نفس تلك الفترة، وكانت إلى جوارها طفلتها التي للتو رات الدنيا منذ أربعة أيام فقط وقتها، إذ سقط صاروخ إلى جوار منزلها أدى إلى دمار كبير بالمنزل وإصابتها وإصابة طفلتها الصغيرة، حتى قام الجيران بإسعافهما وإخراج الشظايا من رأس الرضيعة.

“أيامي كانت صعبة كتير.. جوع وبرد وتعب، وأنا زوجى توفى من أربع سنوات في العام 2014، وبقيت عم واجه الحياة لوحدي.. طبعا إخواتي بيساعدوني بس بالآخر كل واحد عندو حياته الخاصة وأنا عم حاول أعتمد على حالي بكل شيء، رغم مأساة الظروف والقهر يلي معبي قلبي.. لكن عم أرسم بكل لحظة طريق أمل دون توقف أو تغير مسار مهما واجهتني مصاعب بحياتي”.

تقول سعاد: “أي إنسان بعيش بهي (هذه) الدنيا وعنده شيء بالمرتبة الأولى بحب يسويه، أنا همي الأول ورغم كل شي صار إني أربي بناتي وأقدر أحس إني عوضتهم عن شيء كتير خسروه، وكنت بدي قول متل أي أم إني بتمنى شوف بناتي صبايا.. بس أنا يكفيني إني حس فيهم صاروا صبايا، بس أنا رغم هيك عندي أمل يومًا ما إني أرجع أشوف بعيوني وأهتم ببناتي وأعلمهم ويصيروا شي مميز بمستقبلهم”.

“أنا الآن مستمرة بحياتي كأي إنسانة طبيعية، أحاول في دمشق من مشفى لآخر وإن اضطرني الأمر سأخرج لأي بلد آخر للعلاج.. كلامي لكل أم بتحمل بقلبها وجع وكل امرأة خسرت شيء عزيز عليها إنها تصبر وتخلي الأمل موجود ويومًا ما لاح يتحقق الحلم وتكوني ربما من أسعد الناس بالعالم”.

شعور بالحزن والكمد يختلط وإيمان وثقة وقوة أمل وتفاؤل تكنه “فرات” التي تتمسك بالأمل حتى آخر لحظة، تقاوم الظروف كافة وتضع أمام نصب عينيها هدف تربية بنتيها والاطمئنان عليهما.. قصة تحدي كبيرة من بين مئات الآلاف من القصص التي تزخر بها سوريا، والتي يسأل أصحابها: “بأي ذنب يحدث لنا هذا كله؟ أين ضمير العالم مما يحدث لنا؟”.