لكل السوريين

نساء المفقودين بين فقدان المعيل والإجراءات الحكومية، نساء ريف حماة الأكثر تضرراً

حماة/ جمانة خالد 

عندما وصل توفيق إلى محطة الباصات في مدينة حمص، وسط سوريا، في أوائل شباط ٢٠١٤، اتصل بزوجته سعاد، كما كان يفعل دائماً عندما يسافر جنوباً من منزلهم في محافظة حماة.

قال توفيق، وهو قيادي في الجيش السوري، كان يعمل في فرع أمن الدولة في حمص، لسعاد إنه عاد بأمان من جولته نصف الشهرية لزيارتها وأطفالهم الأربعة.

في وقت لاحق مساء ذلك اليوم، اتصلت سعاد بتوفيق مرة أخرى، لكن هاتفه كان خارج الخدمة، وعلى الفور، تذكرت مهمة عسكرية خاصة ذكرها عندما كان في المنزل.

عندها ازدادت مخاوف سعاد اتصلت بأحد زملاء زوجها في فرع الأمن، والذي بدوره أكد لها أن توفيق خرج في مهمة وسيتواصل معها عندما يعود.

تقول سعاد “بدأت دقات قلبي تتسارع، واستمرت بمحاولة الاتصال بزوجي طوال الليل، لكنه لم يرد، وامتد الصمت لأيام”.

تقول سعاد “بدأت أُطمئن نفسي وأقول ربما نفدت بطارية موبايله أو أنه في مكان لا يوجد فيه تغطية”.

وتضيف بعد ثلاثة أيام من محاولتها الأولى للتواصل مع زوجها، اتصل فرع الأمن بها، وقال أحد الموظفين لسعاد إن توفيق لم يعد من مهمته وطلب منها إبلاغ الفرع في حال عاد للمنزل أو اتصل بها.

مرت أربعة أسابيع دون أي خبر من توفيق، ولاحظت سعاد أن راتبه الشهري، الذي يتم عادة إيداعه في بطاقة البنك الصادرة عن الحكومة، لم يصل.

وقال ضابط في الفرع بحمص، حيث كان يعمل توفيق، لسعاد إنه نظراً لأن زوجها مسجل في عداد المفقودين، سيتوقف راتبه الشهري.

وتتذكر سعاد ما قاله الضابط لها “ادعي له من أجل أن يعود… لا يمكننا تسجيله كشهيد، لأن زوجك فقد بمهمة رسمية”.

وتضيف سعاد: “عندما يتم التأكد من مقتل جنود الجيش السوري في الحرب، يتم تسجيلهم رسمياً كشهداء، وهو مصطلح يستخدم بالعامية وبشكل رسمي في سوريا لوصف ضحايا الحرب، ويحق لأسر شهداء الجيش الحصول على عدد من الاستحقاقات الحكومية، بما في ذلك التعويض المالي، والراتب الشهري والرعاية الطبية”، بحسب الروايات الحكومية.

ولكن بالنسبة لأسر جنود الجيش السوري الذين اختفوا، كتوفيق، لا توجد مثل هذه الامتيازات، وبدلاً من ذلك، تقول ثلاث عائلات، أنهم يواجهون كلاً من ألم فقدان أحد أفراد الأسرة، وصعوبة التعامل مع النظام القانوني الذي يوفر لهم القليل من التوجيه أو الدعم.

“لا توجد مكاتب لمراجعتها”

عندما أخبر موظفو مكان العمل السابق لتوفيق سعاد أن زوجها المفقود لن يحصل على راتب، تقول إنها شعرت بالضياع ولم تدري ما تفعل.

وبناء على اقتراح من الأصدقاء، كانت خطوتها التالية هي زيارة مكتب شؤون الشهداء في مدينة حمص. وهناك، قيل لها أنه لا يوجد شيء يمكن القيام به لمساعدتها.

حيث قالوا لها “زوجك ليس شهيدا، اسمه في قائمة المفقودين”

وتقول جميع العائلات، والتي فقدت أحد أبنائها ممن كانوا جنوداً في الجيش السوري، أنهم لا يعلمون ما إذا كان هناك جهة حكومية مخصصة لقضية الجنود المفقودين.

تقول خيرية، ٢٦ عاماً، من سكان قرية ربيعة غربي حماة، فقدت الاتصال بزوجها عماد، وهو ملازم أول في الجيش، في عام ٢٠١٦ “لا توجد مكاتب لمراجعتها – أو حتى للاستفسار عن وضع الشخص المفقود أو حقوق عائلته”.

وفقد عماد في معارك اندلعت بالقرب من الحاجز الذي كان يؤدي خدمته فيه في ريف حماة، كما تقول خيرية.

وتقول خيرية، التي تعيش الآن مع ابنها ذو العامين وأقاربها، إنها كثيراً ما تزور شعبة تجنيد الجيش السوري في العاصمة للاستفسار عن زوجها وإبلاغهم بالصعوبات المالية التي تواجهها في تربية طفلها أثناء غياب والده.

إلا أن كل ما قالوه لخيرية، أن وفاة عماد غير مؤكدة، حيث تقول سألوني في شعبة التجنيد “هل تريدين حقاً تسجيله كميت فقط من أجل الراتب؟”.

امتيازات الشهيد

تقول سعاد أنهم أعطوها بطاقة مفقود بعد زيارتها إلى قسم إدارة الشؤون الاجتماعية في حمص، ولكن الأوراق لم تنفعها بشيء لتحسين حالتها.

وتضيف “صرت أعرضها عند الذهاب إلى الجمعيات الخيرية حتى تساعدني”، ففي بعض الأحيان تقدم هذه الجمعيات معونات كالمواد الغذائية الأساسية والبطانيات.

ولدعم عائلتها، تقوم سعاد بعمل يدوي من المنزل، كما أن ابنها أدهم ترك المدرسة للعمل كمساعد نجار، وتكافح الأسرة للحصول على لقمة العيش.

“ليس هناك عدالة”

من الخيارات المتاحة لأسر الجنود المفقودين الذين يحاولون الحصول على استحقاقات حكومية أن يعلنوا عن وفاة أبنائهم عن طريق المحاكم. ومع ذلك، فإن العملية القانونية طويلة واحتمال نجاحها متدني، وفقا لما قالته مصادر قانونية.

وتنص المادة ٢٠٥ من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه إذا كان الشخص مفقوداً “بسبب عمليات عسكرية أو حالات مماثلة”، فيتم اعتباره قتيلاً بعد مرور أربع سنوات.