لكل السوريين

خديعة التسويات

عبد الكريم البليخ

يقف المرء مندهشاً  حيال ما بات يحكى اليوم عن خديعة التسويات التي يحاول النظام السوري فرضها على عموم الناس في المنطقة الشرقية التي خرجت برمتها عن سيطرته، ويحاول جاهداً الركض خلفها والضحك على المواطنين بفرض رؤيته ويفرض رغبته، وبكل خسّة ودَناءة، في الوقت التي يرفضها أغلب الناس في الجزيرة السورية، ولعن كل من يحاول الاقتراب من الحكومة السورية، أو حتى التعامل معها والانضواء تحت رغباتها، التي تحاول  امتصاص غضب  عموم الناس وإقناعهم بطي صفحات من القهر والتسلط وفتح صفحة جديدة  بحسب ما يعتقد ويظن ذلك كثيرون من غير الموالين له، والذين هم أكثر ما تضرروا وعانوا من معاملته لهم وتعنيفهم، وإدخالهم في مشكلات ومآسي هم في غنى عنها.

هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها العامة، وهي في الواقع تظل أسئلة مشروعة ومحقة ومنطقية ومن حق كل مواطن شريف طرحها وعرضها على العامة، ومفادها أنَّ النظام وبعد كل ما فعله واقترفه بحق أهلنا في سوريا، وفي هذه الأماكن التي يدعوها اليوم ـ وبكل وقاحة ـ إلى التسوية معه، وتناسى في الوقت نفسه العودة للماضي الأليم والاحتكام للحاضر الذي يُعاني من فقر مدقع، فهذا لا يعفي الأهالي من طرح عديد من الأسئلة، ومنها وأهمها لماذا الآن، وفي هذا الوقت بالذات يحاول النظام الفاسد أن يدعو الناس إلى لفظ الماضي برغم جرائمه القذرة، وتشريده للناس واقتلاع الكثير منهم من منازلهم وطردهم إلى خارج الوطن، بل والعمل على تشريدهم وإذلالهم ودكّهم في السجون والمعتقلات؟ أضف إلى أن هناك الكثير منهم، وإلى اليوم، لا يعرفون عن أبنائهم شيئاً، فهم ما زالوا مغيّبون في السجون، ناهيك عن الدمار والخراب الذي جرّه سفّاح سوريا ونال الكثير من سكن المواطنين وممتلكاتهم، وحتى الأماكن التي يعتاشون منها!

وهل يكفي ما يمكن أن يقوله ونسمعه لذلك المواطن الذي ظل يُعاني من كل أنواع السخط والإذلال، أضف إلى الممارسات والانتهاكات وإحراق جثث المقتولين تحت التعذيب، وحالات الاغتصابات التي تعرض لها الكثير من الشباب والفتيات والنساء، بالإضافة إلى الاغتيالات السياسية، وتصفية الشباب وتصدير المخدرات بأنواعها؟.

المشكلات والمعاناة التي تعرض لها المواطن في سوريا كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، وفي ظل كل هذه المشكلات التي كرستها الثورة وما صاحبها بهذه البساطة، يحاولون إعادة المياه إلى مجاريها، حسب ما يُخيل إليهم، وهذا بعيد عن أحلامهم ورغباتهم، ورمي ما جرى وراء ظهور الناس التي عانت ما عانت، وتحملت الكثير من صنوف العذاب والحاجة ومن ارث النظام القاتل الذي انتقم من الأهالي، وهذا لم يعف أيضاً حتى العاملين معه ويصفقون له، فهم لم يتخلصوا منه ومن ألاعيبه البغيضة، وظل يتعامل مع الناس كحجر شطرنج لا حول له ولا قوة.. وفي المقابل نقرأ هنا وهناك، وفي مواقع وصحف رسمية عن تواصل الوفود القادمين إلى مراكز التسوية في ريف الرّقة غير المحرّر، ويتمثل هؤلاء في شيوخ العشائر الذين لا يمثلون إلّا أنفسهم، أضف إلى شخصيات ووجوه اجتماعية ومخاتير، وغير ذلك من المنتفعين من أزلام النظام الفاسد لأجل تقديم الطاعة له بدلاً من التسوية التي يتحدثون عنها لكسب رضا الطاغية وأعوانه المجرمون الذين لم يخلص من اجرامهم أحد، ولن يخلص منهم مادام أنهم قائمين على رأس عملهم، ومثلهم من الموالين لهم الذين ينفخون ـ وللأسف ـ في قربة مقطوعة!

أمثال هؤلاء أكثر من الهمّ على القلب، وهم لا يمكن أن نقول غير أنهم مغلوبين على أمرهم لا سيما أنهم يعيشون بينهم، ويعتاشون من وظائفهم التي يتكسبّون منها قوت يومهم وهذا حالهم، ما يجعلهم يُداهنون لأزلام النظام وعصابته التي تحاول بصورة أو أخرى لجم المواطن السوري وكسر شوكته بإخضاعه تحت رغباتهم وطاعتهم، وهذه بعيدة عنهم، من خلال فرض اشتراطاتهم عليه بقوّة السلاح، وتحت مسميات وذرائع مختلفة، وهذا ما يحدث اليوم في دير الزور والرّقة .