لكل السوريين

إدلب.. إلى أين تتجه التطورات؟

ظهرت الخلافات المؤجلة بين ما تسمى الدول الضامنة (روسيا, تركيا, إيران) وأشعلت معها منطقة (خفض التصعيد), حيث يسود الغموض مصير هذه المناطق, وسط تهويل تركي بإشعال الحرب وتقدّم للنظام وروسيا على الأرض, ما يطرح تساؤلات عن مصير إدلب الملتهبة بنار الحرب.

كعادته أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته لكن هذه المرة كانت لحليف الضرورة روسيا ومعها النظام بشأن إدلب, حيث عاد لتكرار عباراته المشهورة “لن نقف مكتوفي الأيدي, وهناك خطوط تركية حمراء” وغيرها من التهديدات التي أطلقها على مدار الأزمة السورية.

اعتاد الرئيس التركي خلال سنوات الأزمة السورية على إطلاق التهديدات, إلا أنه ومنذ اتفاقه مع روسيا وإيران خلال اجتماعات أستانا التي بدأت في كانون الثاني 2017, بدأ باستثمار نفوذه عبر المرتزقة لإجراء مقايضات مع روسيا, حيث بدأ عقب الجولة الرابعة من هذه الاجتماعات مسلسل تسليم المناطق للنظام من خلال اتفاقية ما تسمى “خفض التصعيد”.

الآن وبعد أن ربحت روسيا من خلال هذه الاتفاقيات وسيطرت على مساحات واسعة من سورية, يبدو أن تركيا باتت في مرحلة ضعف أمام روسيا.

تسعى تركيا للحفاظ على ما تبقّى من نفوذها في إدلب وخصوصاً الطرق الدولية(M4- M5).

حيث يبدأ طريق M4 من الحدود السورية العراقية في تل كوجر وصولاً إلى اللاذقية, وبعد حلب يتفرع منه الطريقM5  وصولاً إلى دمشق.

سبل التصعيد بين روسيا وتركيا غير ممكنة

بعد كل هذه التطورات, هناك سؤال مهم, الاشتباك الأخير بين تركيا والن

ظام يتجه إلى أين؟ وهل هناك جدية في التهديدات التركية لروسيا.

الباحث السياسي والصحافي السوري مالك الحافظ تحدث لوكالة أنباء هاوار قائلاً: “إن سبل التصعيد ليست ممكنة رغم ما جرى، لعاملين اثنين، أولهما أن تركيا عملت دائماً من أجل تحقيق مكاسبها في سوريا على النفس الطويل في سياساتها، وهذا ما شاهدناه في عدة مسائل، آخرها كان في التنسيق مع الأمريكي والروسي في شرقي الفرات”.

وأما العامل الثاني بحسب الحافظ “إن أي تصعيد واسع تعلم تركيا بأن ذلك سيضر ملفات أخرى مرتبطة (مشتركة مع روسيا)، وسيؤدي إلى تراجع تقدمها فيها، وبناء على ذلك فإن ما سيحصل هو الاكتفاء بما أطلقته مدفعية الأتراك تجاه مواقع النظام المستهدفة مقابل إيقاف “مؤقت” للعمليات العسكرية في الشمال السوري”.

وأضاف “في حين تضمن موسكو عدم تكرار أي فعل مشابه خلال الحملة العسكرية التي اعتقد أنها وإن توقفت بشكل جزئي ومؤقت، فإنه وعلى المدى المنظور سنشهد استمراراً لها ما لم يتوصل الجانبان الروسي والتركي إلى صيغة تفاهم تمنح الروس السيطرة على طريق دمشق حلب الدولي”.

‘الحديث عن انتهاء مسار أستانا هو لإطلاق مسار جديد’

وحول مصير مسار أستانا أشار الحافظ إلى ” أن الحديث عن مسار أستانا لا يعني وقوع الخلاف بين أنقرة وموسكو، على العكس فإن انتهاء مسار أستانا الذي تحدث عنه الرئيس التركي خلال الأيام الماضية، هو تصريح واضح جداً بأن تركيا متوافقة مع روسيا على إنهاء التفاهمات السابقة.

ليس من أجل الخصام والتصعيد بينهما، وإنما متطلبات تطوير العلاقات بينهما وضخامة الملفات المشتركة يتطلب بناء مسار جديد وبآلية مختلفة حول الملف السوري، قد يكون هناك تطوير لمسار أستانا، و قد يتم الاتفاق على مسار جديد قد تغيب عنه إيران وقد تدخله دول جديدة”.

‘تركيا لا يمكن أن تخسر روسيا لأنها منحتها دوراً في سوريا لا تستحقه’

وحول العلاقة التركية المتناقضة ما بين روسيا وأمريكا أوضح الحافظ “أن طبيعة العلاقات الروسية التركية مستقرة نوعاً ما، فتركيا لا يمكن أن تخسر روسيا فيه، ومستوى التنسيق مع موسكو هو أمر ضروري وتتطلبه المرحلة الحالية، هذا التنسيق هو الذي منح تركيا درواً محورياً لا تستحقه في الملف السوري, ومن جانب الروس أيضاً فالتفاهم مع تركيا (ممثلة الناتو وواشنطن) هو ما يتيح لروسيا قضم مناطق أكثر فأكثر في الشمال وقبلها في مناطق أخرى من سوريا”.

وأضاف “هذا على صعيد إدلب، وهناك صعيد آخر مستجد هو ملف شرق الفرات والذي دخلت فيه موسكو بشكل بارز عن طريق تركيا تحديداً، ورسم ملامحه لم تنتهِ بعد”.

تركيا تبيع الأوهام للسوريين.. إدلب إلى أين؟

وحول عمليات إدلب قال الحافظ “أرجّح أن الصمت التركي والتفاهم الحاصل مع روسيا لن يتوقف فقط على سيطرة الروس على الطريق الدولي بين حلب ودمشق “مبدئياً”، ما يعني استعادة السيطرة على مدينة سراقب وهذا ما حدث بالفعل، (للأسف تركيا تبيع الوهم للسوريين وهذا حالها وحال تصريحات مسؤوليها منذ أكثر من ٨ سنوات)، إنما بالإضافة قد يحدث قريباً تأمين قوات النظام السيطرة على محيط مدينة حلب ومحيط المطار الدولي”.

ملفات معقدة بين روسيا وأمريكا

بالإضافة إلى التوتر الروسي التركي, هناك ملامح توتر أمريكي روسي وخصوصاً في شمال وشرق سوريا, وحول ذلك رأى الحافظ ” بالعموم لا يوجد تفاهم روسي أمريكي حيال الملف السوري حالياً ولا يمكن أن يتم لتعقد الملفات المتشابكة وتضارب المصالح بينهما، سواء في مواجهة التنظيمات الإرهابية في الشرق والشمال، وكذلك صراع النفوذ في شرق الفرات، أو حتى في جوانب أخرى كإعادة الإعمار وعودة اللاجئين وملفات الاقتصاد والنفط والطاقة، والعقوبات الأخيرة المفروضة ضمن إطار “قانون قيصر”.

أين منطقة شمال وشرق سوريا من هذه التطورات؟

مع كل توتر على الساحة السورية تتجه الأنظار إلى منطقة شمال وشرق سوريا, ويبدأ الحديث عن التداعيات المحتملة وحول ذلك قال الحافظ: “من المبكر الحديث عن أية صفقة حول مناطق شمال شرق سوريا، فصراع النفوذ بين موسكو وواشنطن، وسط دخول روسيا إلى تلك المناطق مقابل إصرار أمريكا على البقاء، وعدم الانسحاب خلال الفترة المقبلة، وهذا سيؤجل تنفيذ أي اتفاق دائم أو حتى عقد صفقات نهائية بين الأطراف المتدخلة هناك”.

وأضاف “التطورات هناك قابلة لتغيير المسار أو حتى للتصعيد، لدينا عدة أطراف مشاغبة (إيران وداعش)، وقوى إقليمية وعربية ودولية ما تزال تمسك بورقة شرق الفرات”.

وأوضح الحافظ “أما عن الأحاديث حول شن هجمات تركية هناك، فأعتقد أن هذا لا يخرج عن إطار الإشاعات أو حتى التوقعات على أبعد تقدير، فالتصعيد التركي لن يكون مقبولاً خلال الفترة الحالية من الجانبين الروسي والأمريكي، فالتصعيد التركي إذا ما قسناه على صعيد شرق الفرات منفرداً فالأمر خاضع للنفوذ والتوازنات والأمر حالياً غير قابل للتصعيد، رغم استمرار المناوشات التي تفتعلها تركيا هناك بشكل متزامن”.

واختتم الباحث السياسي والصحافي السوري كلامه “قد تكون تلك التوقعات بتصعيد تركي محتمل تقع ضمن حملة التغطية التركية عما يحصل في الشمال ولفت النظر عن التفاهم التركي الروسي في منطقة “خفض التصعيد “الرابعة وقبول أنقرة بتنفيذ تلك التفاهمات عسكرياً ولو كان ذلك على حساب دماء وأرواح المدنيين”.

يحيى الحبيب

وكالة هاوار الإخبارية