لكل السوريين

الحضارة فكر وإنتاج

محمد عزو

سؤال وجيه يتبادر إلى الذهن، يقول: أين نحن اليوم من الحضارة، التي هي فكر وإنتاج؟!، والحضارة في المعاجم اللغوية نادرة الاستعمال، ولا نكاد نجد لها ذكراً، وفي مثل هذه الحالة فإن لفظة حضارة مثيرة للجدل والتساؤل، لكن المفكرون كتبوا وتحدثوا حول هذا المصطلح، فقالوا أن مصطلح الحضارة يعني بشكل أو بأخر، إلى أن حضارة أي أمة من الأمم في أي حقبة زمنية مرصودة قصد بها البحاثة أنها أموراً متعلقة بالفكر، والقيم، والإنتاج، والتراث، والمدنية، والفلكلور، والأدب، والفنون، والاقتصاد، والسياسة وغير ذلك من المفاهيم ذات الصلة بالحضارة.

ومن خلال المتابعة لما كتب عن الحضارة وتعاريفها، فمن المفيد هنا الوقوف على ما قاله المفكر الكبير( ديورانت)، في كتابه الشهير “قصة الحضارة”.

يرى ديورانت في كتابه هذا أن الحضارة هي: (مجموع ثمانية أمور: الاقتصاد والسياسة والأخلاق والقيم والفلسفة والأدب والفن، والتي تصف أمة معينة في حقبة زمنية).

وبالوقوف عند هذه الأمور الثمانية، نجد أنها تشمل جميع جوانب الحياة دون استثناء، ومن باب إيجابي آخر يمكن أن نختصرها في العلم والفكر الذي يقود إلى المدنية.

نقول ونتساءل اليوم ماهي مشكلتنا كشعوب شرق أوسطية؟، وحول هذا السؤال يقول المرحوم “مالك بن نبي” الجزائري:(أن مشكلة كل الشعوب هي مشكلة حضارية في أساسها، وخاصة الشعوب التي عانت وتعاني من أثر الاستعمار، ويرى أن الحضارة في صورتها النهائية تتشكل من الإنسان + التراب + الوقت).

والحضارة لا يمكن أن تقوم في فراق، او في حياة مبعثرة غير مستقرة، بل تقوم على أرض، والحضارة في هذا الإطار تحتاج إلى وقت وزمن كي تبان وتظهر نتائجها، ولكي تتكون الحضارة لابد لها من وجود فكرة عميقة تحرك الأرض والشعب والزمن، كما انه لا يمكن لأي أمة أن تبني حضارة إن لم تمتلك منهجاً.

نحن في شرقنا الأوسطي نعاني من أزمة تطور حضاري، ونعاني بشكل حاد من أزمة بين العقل الفاعل والعقل المنفعل، ولا بد من التنبيه ودق ناقوس الخطر، من امكانية التبعثر واستشراق مستقبلنا في ظل التداعيات الراهنة واستدراك واقعنا الصعب، مالم نسارع للخروج من هذا الواقع الكالح قبل فوات الأوان، ولكي تتحول بلادنا على يد أبنائها من حالة اليأس والجمود إلى حالة النشاط والحركة، وأن مسألة ثنائية الجمود والحركة، هي التي تشكل المحور الرئيس والهام، الذي يساهم ويقرر ظهور التقدم الحضاري وازدهاره.

ولكن نسأل ونتساءل كيف السبيل إلى أن يحقق أبناؤنا في شرقنا الأوسطي، أن يحققوا مثل هذه الخطوة الكبيرة، التي تنقل الجميع من حالة الكسل والجمود إلى حالة الحركة والنشاط في وقت نجد أنفسنا نخضع لقيود كبيرة وكثيرة؟!.

وللإجابة على مثل هذه الأسئلة وغيرها، نقول: أنه لابد من المصالحة مع أنفسنا كي نتمكن من التفكير العقلاني والعطاء بإبداع، وتحرير ذلك العقل المكبل بـ “جنازير” فرضتها عليه سلطات جائرة ومتعددة، تمثلت بسلطة الآخر، سواءً كان الزعيم المدني أو الديني أو الخارجي الأجنبي، وحتى سلطة العقل المجتمعي، المتمثلة بالتقاليد والأعراف والقيم المتخلفة، التي ورثناها من الفترات المظلمة.

لذلك لا بد لنا من التمييز بين العقل والفكر، وأن نبحث عن وجود عقول متميزة في مجمعاتنا، ونبذ السجون التي يخضع لها العقل، وإرساء نظرية العقل المجتمعي، الذي هو ذاكرة المجتمع ومحور هويته وثقافته ونبعد عقولنا قدر المستطاع عن تاريخ التخلف.