لكل السوريين

الحرب ومفرزاتها

الحرب مصطلح يبعث على القلق والنفور في عقل وقلب كل من يسمعه، أما الذين عاشوا الحرب أو شاهدوها فيشمئزون من سماعها وتمتلئ ذاكرتهم بالمآسي التي شهدوها ويرتعدون من العودة إليها مرة أخرى، وخاصة إذا لم يكونوا من الذين أشعلوها أو سبباً فيها، بل كانوا ضحية لصراع لا يدركون أبعاده.

نحن في سوريا كنا الضحية في هذه الحرب التي لا نعلم بأبعادها ولا نعلم متى وكيف ستنتهي، ولكننا نعلم بأنه لم يبق شخص واحد في سوريا إلا وتضرر منها بشكل من الأشكال. إما بفقدان أحد أقاربه أو بدمار بيته وقريته أو مدينته أو بالتعرض للتهجير أو المعاناة من نتائجها على الأقل. فما هي الحرب وما هي وسائلها ومن المستفيد منها ؟.

الحرب هي وسيلة لفرض إرادة طرف على طرف آخر، وسائلها تنوعت عبر التاريخ، منها السلاح ومنها الاقتصاد ومنها الحرب الخاصة. ونحن هنا نقصد الحرب العنيفة بالأسلحة والإشتباك على الأغلب، أي الحرب التي من المفروض أن تكون بين الجيوش التي هي أدوات حربية في خدمة القوى المهيمنة أي السلطة في الدولة. وقد تكون هذه السلطة زمرة أو حزباً سياسياً أو أسرة حاكمة تتحكم بقدر الدولة والشعب أو الشعوب القاطنة فيها. وهذه القوى المهيمنة تعمل على إفهام الشعب بأن تلك الأداة التي تسمى الجيش هي لحماية الوطن والبلاد ومصالح الشعب، بينما الحقيقة هي لحماية السلطة ومصالحها، فقد رأينا أمثلة كثيرة في التاريخ القريب كيف أن الجيش يحمي السلطة ويترك الشعوب لمصيرها بين أيدي المعتدين أو المتنازعين على السلطة مع السلطات القائمة.

لكل دولة جيشها ولأغلب التنظيمات المسلحة ميليشياتها أي عناصرها المسلحة. وهذه الجيوش والفصائل تحتاج إلى العتاد الحربي لممارسة مهنتها في الحرب، ولهذا تحتاج إلى مصادر لتزويدها بالسلاح، وإلى مصادر تمويل لشرائها. وما دامت الحرب باتت ميداناً للبيع والشراء فمن الطبيعي أن يكون هناك تجار يبيعون ويشترون مثلما سيكون هناك مستفيدون من الحروب بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولهذا أصبح هناك في كل دولة مؤسسة للصناعات الحربية تحت ذريعة الإعتماد على الذات في تأمين الأسلحة، بالطبع هذه المؤسسات الحربية تكبر وتتعاظم مع حجم وإمكانيات كل دولة، فمنها ما وصلت إلى أبعاد كونية وتشكل قطاعاً خاصاً بمنتجاتها، ومنها ما بقي بحجم إنتاج الطلقات اللازمة لمسدسات المسؤولين، وما يهمنا هنا تلك الصناعات التي أصبحت قادرة على إشعال الحروب لخلق سوق لتسويق منتجاتها الحربية دون إكتراث بمصير الشعوب ومواردها. وكذلك تطوير سوق سوداء لبيع الأسلحة إلى القوى غير الرسمية التابعة للفصائل مباشرة أو بوساطة الدول الداعمة لها.

الأسلحة المباعة بشكل رسمي إلى الدول معلومة، فدول الخليج العربي تنفق سنوياً عشرات مليارات الدولارات لشراء الأسلحة من الغرب بحيث بات الأمر طبيعياً ولا أحد يفكر لماذا كل هذا التكديس للسلاح بكل أنواعها، ولهذا قامت تلك الأطراف بتوريط دول الخليج في حروب على نطاق المنطقة، حرب الكويت واليمن مثالاً والصومال مثالاً آخر وليبيا مثلها، وربما تكون هناك حرب كبرى ضد إيران وهذه الحرب إن حدثت ستأتي على الأخضر واليابس وتوصل كل أطراف الحرب إلى الإفلاس لصالح شركات السلاح في كافة الدول المصدرة للسلاح.

أما السوق الأخرى فهي السوق السوداء الموازية التي تجري بيد مافيا السلاح للتخلص من الأسلحة القديمة، والمثال الأبرز على ذلك هو ما حصل ولازال يحصل في سوريا، فهذه الفصائل حصلت على الأسلحة المتطورة من الدبابات، وأغلب أسلحتها جاءت من مخازن  دول أوروبا الشرقية وتم شراؤها بأموال خليجية عن طريق المافيا التركية والروسية ووصلت إلى الفصائل المسلحة عن طريق تركيا، إلى درجة أن بعض الدبابات وصلت إلى الأراضي السورية بالقطارات من تركيا.

هذه أمثلة صغيرة من حروب منتشرة على النظاق العالمي. وفي هذه الحرب بالذات عندما يقول حمد بن جاسم القطري أننا صرفنا مبلغ 137 مليار دولار فهي ذهبت لتجار السلاح والحروب، ما عدا الأموال الطائلة التي صرفتها السلطة السورية للإحتفاظ بسلطتها، والموارد الجانبية لهذه الحرب التي ذهبت إلى جيوب المافيا والسلطات التركية.

بينما فاتورة هذه الحرب فقد دفعها الشعب السوري على نحو مئات آلاف الشهداء وملايين اللاجئين الذي تشردوا وأصبحوا سلعة لتجار البشر، ووسيلة للإبتزاز التركي على أوروبا للحصول على عشرات المليارات، ولا زالت اللعبة جارية وأبناء سوريا منقسمون بين القوى المهيمنة على سوريا لا يتعرفون على العدو من الصديق. بينما كل القوى تقول الحل بيد الشعب السوري، والشعب السوري عاجز عن تحديد مصيره وتائه بين سلطة تريد العودة إلى عهد ما قبل الثورة، ومعارضة همها الوحيد الوصول إلى السلطة، وتجار حروب وبشر ظالمين مجردون من المشاعر والقيم الإنسانية.