لكل السوريين

المثقف والسياسي ودورهما في السياسة

بالإجابة عن السؤال الذي يقول من هو المثقف؟ إن دلالة مصطلح المثقف متسعة بحيث يصعب الإحاطة به؛ فالبعض يجعل من حملة الشهادات العلمية والبروز الجلي الإعلامي والفني ضمن حلقة من يسمونهم ب”المثقفين”، والبعض الآخر يضع حدوداً دنيا للشخص المثقف مثل الأمور التالية: الوعي، والإدراك، والفهم والتفكير السليم، وسعة الأفق، بغض النظر مؤهلات هذا الشخص العلمية والمكانة الاجتماعية له.. وهناك من يقال عنه غير مثقف وحتى وإن تحلى بهذه الحدود الدنيا إذا لم تنعكس هذه المؤهلات على سلوكه اليومي وطابع حركته في المجتمع، وكثيراً ما نرى من لا يعطي لقب مثقف، إلا لمن يقوم بدور فعال في قومه؛ فليس مثقفاً من لا يعرف مشكلات بيئته ومجتمعه ويقدم لها حلولاً، ويكون لديه شعور بالمسؤولية نحو النهوض بمجتمعه وأن يكون لديه استعداد للتضحية في سبيل ذلك..

أما من هو السياسي؟ يمكن القول أنه الشخص المشحون بطاقة تؤهله المشاركة في التأثير على الجمهور عبر التأثير على صنع القرار السياسي. أو جهود الشخص الذي يكون لديه تأثير ويؤثر على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال الفهم الواسع للسلطة السياسية.

وللسياسة تعريف لغوي وتعريف اصطلاحي، ومن هذا المنطلق تعرّف السياسة لغةً على أنها عبارة عن معالجة الأمور، وهذا المعنى مستمد من الفعل ساس ويسوس، وهي على مصدر فعالة، أما المعنى الاصطلاحي فتعرف بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية.

وفيما يخص علاقة المثقف بالسياسي وبالأخص في المشرق عامة والمشرق العربي خاصة، يقودنا الحديث إلى مسألة مهمة وهي أن الدولة الحديثة أعادت إنتاج النمط الذي عُرف قديماً بين المثقف والسياسي بدقة متأصلة،

فالسياسي يزعم أنه يمتلك الذكاء ولكنه يملك المال أكثر، ومثقف يملك أفكاراً لم ينجح في تسويقها، فتنشأ علاقة تبعية عند البعض يقودها الرأس الكبير. هنا نجد أنه في المشهد السياسي المشرقي توجد إشكالية عويصة تُشكل أنماط بناء العلاقة بين السياسي والمثقف وأساليب هذه العلاقة، فمن يقود الآخر ومن يستخدم الآخر؟، عبر التاريخ لمنظومة الدول المشرقية والعربية كان السياسي منذ البدايات يستخدم المثقف الذي كان يسمى بتسميات شتى كالتي أطلقها هؤلاء على المثقفين مثل أصحاب القلم، (لذا استخدموا دوماً نظير أعطيات السلطة بدءً من الشاعر المداح حتى الناصح كاتب الآداب السلطانية). اما من أبى فهو أفضلهم وهو المثقف الذي نأى بنفسه عن خدمة السلطان لكنه عاش فقيراً مهملاً، (بينما رفل المتزلفون في الحرير).

في زمننا الحالي، أعادت الدولة الحديثة إنتاج نمط العلاقة القديمة بين السياسي والمثقف، المتمثل “بأفكارك ونصائحك مقابل مغانم السلطة”، فكان أن استعبدت السلطة أغلب مثقفيها، وعاقبت من رفض موقع التابع بالسجن والإبعاد والتهميش. وإن كان يحمل افكار التنوير يطارد ويحارب في رزقه وحياته. وتعاقب السلطة كل من رفض موقع التابع

بالسجن والإبعاد.. أخيراً بالتأكيد ليس هناك وجود دولة للمثقفين، وأكثر الناس تفاؤلاً يقول: لم يكن لمثل هذا الأمر وجود إلا في جمهورية أفلاطون المثالية، لذلك أننا لا نطمح إلى حالة مثالية يعمل فيها السياسي خلف المثقف ولكن في اللحظة الدائمة تقتضي إيجاد علاقة متباينة ومختلفة لا يستعين فيها بالمثقف لسد فجوات يتركها السياسي وراءه ويبررها المثقف المتبحر بأسرار الحكم.