تقرير/ لطفي توفيق
تعرض حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في المغرب مؤخراً، إلى هزيمة مدوية، وشهد تراجعاً هائلاً بعدد مقاعده، حيث انخفض هذا العدد من 125مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، إلى 12 مقعداً من أصل 395، في البرلمان الجديد، وخسر تشكيل الحكومة لأول مرة منذ عشر سنوات.
وتسببت هذه الهزيمة بارتباك غير مسبوق في صفوف الحزب، وتبادل الاتهامات بين أجنحته حول المسؤولية عن هذا الفشل الذريع.
وطالب أمين عام حزب العدالة والتنمية السابق عبد الإله بنكيران، خلفه بأمانة الحزب سعد الدين العثماني بالاستقالة، وحمله مسؤولية الخسارة.
وبعد يوم واحد من إعلان نتائج الانتخابات، أقرت الأمانة العامة للحزب بأنها “تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة”.
ودعت إلى تنظيم دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب، من أجل “انتخاب قيادة جديدة للحزب، تشرف على تدبير المرحلة المقبلة”.
وتقدم أعضاء الأمانة، والأمين العام باستقالتهم من مناصبهم في الحزب.
عودة بنكيران
عقد الحزب دورته الاستثنائية تحت عنوان “من أجل عبور المرحلة الصعبة”، وأعاد انتخاب زعيمه السابق عبد الإله بنكيران أميناً عاماً، من أجل “الإشراف على تدبير المرحلة المقبلة”.
وحصل بنكيران على قرابة 82 بالمئة من أصوات المؤتمرين، بحسب ما أعلنه الحزب على موقعه الرسمي، ليخلف سعد الدين العثماني على رأس الحزب الذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساطه.
وكان بنكيران قد نجح بقيادة الحزب إلى رئاسة الحكومة لأول مرة عام 2011، بعد سنوات طويله من وجوده بين صفوف المعارضة، ولكنه لم يتمكن من السيطرة على الوزارات الرئيسية.
كما نجح في قيادة الحزب إلى رئاسة الحكومة لولاية ثانية بعد انتخابات العام 2016، لكنه لم يستطع تشكيل الحكومة آنذاك، بسبب رفضه لشروط رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ورئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش الذي يوصف بأنه مقرب من القصر.
وهو ما تسبب بأزمة سياسية استمرت لعدة أشهر، وانتهت بإعفائه من تشكيل الحكومة من قبل الملك المغربي، وتكليف الرجل الثاني في الحزب آنذاك، سعد الدين العثماني، الذي قبل كل شروط أخنوش.
مهمة صعبة
عقب انتخابه، أكد بنكيران أن حزب العدالة والتنمية يمر بمرحلة صعبة ودقيقة جداً، وتمنى أن يتم تجاوزها، وأشار إلى أنه لا يدعي القدرة على إنجاز ذلك بالسرعة المرجوة، ووعد بأنه سيبذل قصارى جهده في سبيل ذلك.
ويرى المراقبون للشأن المغربي أن أكثر ما يمكن لبنكيران القيام به هو إعادة ترميم الحزب على المستوى التنظيمي، وإنهاء الانقسامات والصراعات الداخلية بين أجنحة الحزب التي كانت من أبرز الأسباب التي أدت إلى خسارته الانتخابات السابقة.
لكنه لن يتمكن من إعادة الحزب إلى السلطة خلال الانتخابات التي ستتم في عام 2٠٢٦.
وفي المقابل، يعتبر محللون سياسيون أن لبنكيران القدرة على إدارة الحزب داخلياً، وتنظيم صفوفه، وعلى إعادة شعبيته، وتحقيق نتائج جيدة في أي استحقاق انتخابي مقبل، حتى لو لم يتصدر المناصب الأولى.
واعتبروا أن “بنكيران قادر على صناعة الحدث، ولذلك يمكن أن يشكل معارضة حتى من خارج البرلمان، نطراً لعدم امتلاكه عدداً كبيراً من النواب”.
شخصية مثيرة للجدل
يرى بعض المتابعين للشأن المغربي أن بنكيران شخصية مثيرة للجدل، حيث يتهمه خصومه في المغرب بالتساهل مع الدولة.
بينما يعتبر مؤيدوه أن تلك طريقته في التعاطي مع الأوضاع السياسية السائدة، والتحرك نحو أفكار ومبادرات جريئة تهدف إلى نزع فتيل الأزمة بين الحركة الإسلامية والدولة.
ويشيرون إلى أنه يؤمن بالإصلاح من داخل المنظومة الملكية التي يرى أنها تشكل صمام أمان لاستقلال المغرب واستقراره، كما يرى أن مهمة الحركة الإسلامية هي المشاركة في إقامة الدين، دون أن يتوقف ذلك على الوصول إلى السلطة، ويعتقد أن الوصول إلى السلطة يأتي تتويجاً لتغيير المجتمع، وليس قبل ذلك.
ولكن ذلك لم يمنعه من معارضة معظم قرارات العثماني خلال رئاسته للحكومة المغربية، واعتبار بعضها مناقضة لمبادئ الحزب الإسلامي، وخاصة في مجال تقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات طبية وصناعية، واعتماد اللغة الفرنسية في التدريس الرسمي، وتوقيع العثماني، بصفته رئيساً للحكومة، على اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل أواخر العام الماضي، مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.