لكل السوريين

صندوق باندورا أفغانستان

محمد أرسلان علي 

كثيرة هي الدراسات والتحليلات نشرت وستنشر عما حدث سيحدث في أفغانستان وتداعيات ذلك على الداخل الافغاني ودول الجوار لها وحتى تأثيره على المنطقة بشكل عام. كثيرة هي التحليلات التي يمكن تتقاطع معها الحقائق حول ما ستؤول إليه الأوضاع هناك، والكل متخوف من قادم الأيام لأنه يعلم أن طوفان الرهاب لن يتوقف هناك بل سيتعدى المنطقة برمتها إن لم حصره هناك في مكانه.

لكن من سيقوم بهذا العمل ومن سيضع حداً لهذه الجحافل البدائية التي خرجت من كهوفها لتنشر عقيدتها البالية وفكرها المتحجر، ومن سيقلع أنيابها الدينية المتطرفة العطشى للدماء ومخالبها المذهبية الفتاكة للبشر، ومن سينتف لحاهم الوثنية ويرمي عمائمهم المصابة بداء أنهم الفرقة الناجية فقط؟؟؟

أسئلة كثيرة يتم طرحها من خلال تلك الدراسات والتحليلات مع بقاء معظمها لم يتعدَ حالة التنظير الكتابي والمأمول، والسبب بكل تأكيد حالة الفوضى التي ضربت الوعي قبل سلوك وأساليب حياتنا جرَّاء اجترارنا ثقافة الغرب الاستهلاكية التي يتم حقننا بها من خلال المعلومات التي يضخونها ليل نهار وكمية المعلومات المتناقضة، حتى وصلنا لمستوى العبث فيما نريد قوله أو تصوره بشكل عام.

الكل يُدرك حجم وجحيم اللعبة التي وضعتنا فيها قوى الهيمنة الغربية منذ قرنٍ من الزمن ونحن لا زلنا نعيش الغفلة وننتظر نفس تلك القوى كي تخرجنا من المستنقع الذي نحن فيه. مستنقع الجهل وقلة الوعي والمعرفة والركض خلف الأمور السطحية تاركين خلفنا الكثير من المجتمعات التي تعيش الخوف والهلع والإرهاب النفسي والسوسيولوجي لما هو قادم.

الغرب بشكل عام المتهم دائماً بنشر الجهل والفتنة والحروب بين مجتمعاتنا ما زلنا متمسكين بهم على أنهم بنفس الوقت قوة الخلاص التي ستمنحنا الحياة بعد طوفان الإرهاب هذا الذي نعيشه منذ العقد الأخير ولازلنا. بنفس الوقت قوى الصاعدة الأسيوية لا تختلف كثيراً عن القوى الغربية الناهبة الاستبدادية والتي لا تفكر حتى بمجتمعاتها، فكيف لها أن تفكر بالمجتمع الأفغاني وتخليصه من طوفان الإرهاب الذي تم ايقاعها به.

صراع ما بين الخير والشر والحقيقة والرياء والعطاء والفساد، صراع ما بين المستبدين والأحرار والسلطة والمجتمع وما بين الجشع المادي لقوى الهيمنة الغربية منها والاسيوية وبين القوى المعنوية للمجتمع الأخلاقي. صراع مستمر منذ آلاف السنين ولا زال مستمراً حتى راهننا بأبشع صوره وتجلياته تحت مسمى الربيع العربي الذي لم يفرخ سوى الإرهاب بكل مسمياته الدينية والعلمانية والقومجية السلفية. لأول مرة وتحت راية الفوضى لشركات النهب الرأسمالي يجتمع أصحاب العمائم السوداء منها والبيضاء وحتى الخضراء من جهة وأصحاب البدلات العلمانيون والقومجيون من جهة أخرى، ليتحولوا لمسننات تعمل لحساب هذه القوى الغربية التي لا تفكر إلا بمصالحها وأجنداتها.

أفغانستان ستتحول لمقبرة وسجن كبير لشعوبها وكل من يتوجه لهذه البقعة من أجل الجهاد أو رفع راية الإمارة الإسلامية المزمع اعلانها في قادم الأيام. وبها ستتمول أفغانستان إلى ما يشبه “صندوق الباندورا” الذي سينشر الفوضى أكثر مما عشناه خلال العشر سنوات الماضية. فتحت أمريكا هذا الصندوق على الجميع تحت مسميات كثيرة والكل يعلم أن ما سينتشر ويخرج من هذا الصندوق لن يكون سوى مخلوقات قميئة لن تنشر سوى الأمراض التي سيبُلي بها الإنسان. وهي حسب الأسطورة الشيخوخة والمجاعة والجنون واليأس والفشل والحرب والخيانة والغدر والجشع، والغرور، والافتراء، والكذب والحسد، والوهن، والوقاحة وما تبقى من عائلة الشر للقوى الناهبة لمقدرات والقيم المجتمعية، سيخرج من صندوق باندورا أفغانستان كل شيء يحول العالم لطوفان من الفوضى التي لن يعرف أحد عقباها. ما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأرمينيا وبيروت وما سيأتي لاحقاً، ما هو إلا ما كان موجوداً في صندوق باندورا من كل أصناف القبح والشر. ليبقى الأمل داخل ذاك الصندوق الذي لم يسعفه الحظ بالخروج ليكون وحيداً وأسيراً ينتظر كل من يمتلك الإرادة والوعي ليكسر الصندوق وإخراج هذا الأمل لبناء المجتمع والانسان الحر.

القاعدة وطالبان وداعش وأرباب عملهم من أمريكا وأردوغان والاخوان المسلمين الذين هللوا وفرحوا لانتصار طالبان في غزوة أفغانستان وفتح كابول، وروسيا والصين وإيران الين أعلنوا عن لقاءات واتفاقات مع طالبان الجديدة الليبرالية وكيوت والوسطية كما يدّعون، ما هو إلا للتغطية على ما اقترفته أيديهم من جرائم بحق الانسان في هذه المنطقة. كل ما حدث في المنطقة من قتل وخراب ودمار ونهب وفساد وسرقة وتهجير وكورونا بكل متحولاته الرقمية والرمزية. اهتزت المجتمعات والشعوب وانتشر فيها الرعب والإرهاب الذي كان أقسى وأفظع من دمار المدن والقرى بحدِ ذاتها.

بكل تأكيد لن تتوقف الشعوب مذهولة من شدة الصدمة والرعب هذا الذي نشرته قوى الهيمنة بدءاً من أمريكا ومن يلف حولها والذي يدّعي مناهضتها أيضاً، حيث أنها أي الشعوب والمجتمعات التي تؤمن بالإرادة والإصرار لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستعلنها مقاومة ضد آلهة الشر هذه. لأن الصراع ما بين الخير والشر لم يتوقف منذ الأزل وسيستمر إلى الأبد وينتصر الخير على الشر.