لكل السوريين

تعزيل وتنظيف البيوت.. مصدر رزق جديد لبعض نساء المحافظات الساحلية

تقرير/ سلاف العلي 

قبل ولوج الصيف والشتاء يكون على النساء واجب تعزيل للبيت من السقف والشبابيك حتى الحيطان والأبواب، لكن ليس كل ربات البيوت يقمن بذلك فهناك السيدات الهانئات والساكنات في بيوتات عامرات وحتى الموظفات المشغولات بأعمالهن ومكاتبهن تأتي (الشغالة) لتقوم عنها بالتعزيل وحتى باقي أعمال البيت منذ طلوع الفجر وحتى مغيب الشمس بأجر محسوم ولا وقت لأخذ نفس ولا نتحدث هنا عن الأثيوبيات أو الإندونيسيات، بل عن نساء جار الزمن عليهن وليس بيدهن صنعة ولا أعمال.

أم عادل صبية بعمر الثلاثين لا تسقم ولا تمل العمل في البيوت فالحاجة تدفعها لذلك فلديها ولدان ولم تكمل تعليمها وتود أن ترى أحلامها تتحقق بهما, فزوجها تركها ليقيم مع زوجة جديدة لا تزن في أذنيه لجلب حاجات البيت, لكنها لا تعمل في أي بيت تقول “ليست النساء كلهن سوية فبعضهن قاسيات القلوب ولا رحمة لديهن يأمرن ويتشرطن وفي نهاية اليوم يكون جسدي بهلاك ولا أقوم بيومين من فراشي ويمكن أن أضع أجرتي التي وضعتها في يدي بالرغم عنها وعينها عليها ثمن دواء, ومنهن الطيبات اللواتي تعطين أجرتي بكل امتنان مع وجبة للأولاد من طبختها وبعض الثياب أو الحاجات”.

وتضيف “أنا آتي يوماً في الأسبوع عند أم جعفر وأم حسان وهما موظفتان والحال ميسورة عند الزوجين، يتركاني في البيت الذي ائتمنت عليه منذ السابعة صباحاً لترجعا في الثانية ظهراً والبيت نظيف وقد تعودت عليهما منذ سبع سنوات أعمل من قلب ورب لتكون أجرتي حلالاً، حيث كانت لا تتعدى الألفين أما اليوم فهي سبعة آلاف”.

وتتابع “في أيام التعزيل وغسل السجاد أتي في اليوم الذي تودان وهذا عليه أجر مضاف لأجرة يومي وقد تصل لما فوق عشرة آلاف, وكذلك في عيد ميلاد أي من الأولاد يكون الشغل كثيراً, ويتطلب مني الدوران في البيت من الصالون للمطبخ عشرات المرات إلى المساء وتوصلني للبيت حيث أسكن في الدعتور”.

وتكمل “الشغل في البيوت مرهق ومتعب وقد نتعرض للسقوط من النوافذ التي نمسحها كل يوم، كما أنه مخجل لأولادي لكن ما باليد حيلة وأفضل من السؤال والخيبة وحتى شطف الدرج في البنايات فهو للشباب وليس لنساء مثلنا حيث لا تسلمن من الأذية من النازل والطالع وإذا ما دقت إحدانا باباً للسؤال عن الماء فإنها تتعرض للتوبيخ وردها بجواب عقيم خذي من عند غيرنا فقد أيقظتنا من أحلى منام، وهذا إن قبلوا دفع الأجرة مع باقي الجيران”.

أم سمير معلمة متقاعدة تسأل جارتها إن كانت تعرف إحدى النساء اللواتي يقمن بأعمال تعزيل وتنظيف، فهي تحس بنفسها بأنها تعبة هذه الأيام، ولا تقدر على ذلك وهي مرة بهذا العمر فلطالما نظفته بنفسها لسنوات وترفض رفضاً تاماً أن يكون هذا العمل لغيرها في بيتها والحال ميسورة وتسكن بأرقى الأحياء في الزراعة وكلهن حولها يملكن شغالات إندونيسيات.

وتتابع “لطالما سمعت قصصاً وحكايات عن الشغالات ومشاكلهن من سرقة الأزواج وحتى الممتلكات وأشياء الأولاد كما لديها وسواس النظافة، لكن خطبة ابنتها الصغيرة على الأبواب وأخواتها كلن منهن في شغلها ويكفيها بيتها (اللي فيها مكفيها) ويجب أن يكون البيت متوهجاً بالنظافة خاصة أن أهل العريس كبيرين بالعمر، ووالدته بالتأكيد ستدقق في الأرض والشبابيك ومسح الغبار عن سطح الطاولة والفازات وتحملق في لمعان الكؤوس لترى وجهها المصون”.

وتستطرد “لا تذكر يوم جاء أبو سمير لطلب يدها، كان يوماً عسيراً، فمن الفجر وقبل طلوع الشمس أيقظتها والدتها مع أختها لتسابقا شمس النهار في تنظيف البيت من بابه لمحرابه وحتى الصحون وقدور الطبخ كانت تبرق كمرآة تقول ورغم كل هذه الأعمال لم أشعر بالتعب حيث الفرح لبسني من قدماي لرأسي، وبعدها بدأ مشوار الحياة الزوجية بأعمال البيت التي لا تنتهي، مع تعزيل وشطف كل موسم ومناسبة حتى يبس الظهر (العمر ينتهي والشغل لا ينتهي)”.