لكل السوريين

هل الارتباط بالعشيرة هو سبب النزاعات والخلافات؟

محمد عزو

مصطلح العشيرة في اللغة يطلق على كل جماعة تربطهم أواصر القربى، أو هو اسم لكل جماعة من أقارب رب البيت أي الرجل، وسموا بذلك كون الرجل يعاشرهم ويعاشرونه، أما القبائل هي تلك التي يقبل بعضها على البعض وتجمع بالقبيلة والقبيلة جمع العمائر والأخيرة تجمع البطون التي هي الأخرى تجمع الأفخاذ والافخاذ تجع الفصائل التي هي تجمع العشائر.

لذلك فمصطلح العشيرة يقصد به اجتماع مجموعة من البشر والتزامهم بتقاليد معينة والتفافهم حول عشيرة معينة، ويؤدون الطاعة لشيخها الواحد الذي هو كبير العشيرة. وتستمد العشيرة اسمها في الأغلب من اسم جدها الأعلى.

والعشيرة ليست وليدة العهد العثماني بل تاريخها يمتد في عمق التاريخ المشرقي، وكانت في الماضي البعيد تلعب دوراً إيجابياً في حفظ التوازنات الاجتماعية. لكن في بداية الحملات الاستعمارية في الشرق جعل الاستعمار منها أشبه بكرة الثلج يدحرجها إلى أية جهة يريد وهو ما نسميه بسياسة فرق تسد.

لقد عانى المجتمع السوري منها الكثير من المشاكل الاجتماعية وخاصة من بداية ستينات القرن العشرين المنصرم، هذه المشاكل جعلت المجتمع السوري بكل مكوناته يعيش في حالة فوضى وتنافس بين أفراده في ظل انفلات القانون وفساد القضاء، وهذا ما جعل من العشيرة أن تمسك زمام أمور كثيرة في جوانب المجتمع في حالة غياب القانون مما جعلها تتبوأ مكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية في حل وفض النزاعات التي تحدث بين الأفراد، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق القانون العرفي لكل عشيرة، الذي هو بمثابة قانون غير مدَّون في جوانبه الموضوعية والاجرائية والأخلاقية، حيث أن الصلح بين أفراد العشيرة الواحدة وعشيرة أخرى يعتبر سيد الأحكام في إنهاء النزاعات وإزالة ما علق في النفوس من حقد وكراهية، مما يعني فتح المجالات والأبواب أمام بداية علاقات جديدة يشوبها التسامح والود والوئام وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المتخاصمين.

لا شك أن المكون العشائري له دوره الكبير في المجتمع ونحن لا نريد الانتقاص من السادة شيوخ ووجهاء العشائر، ولا اظهار المخاصمة لعاداتها وقيمها، ولكن لا بد من نقد السلبيات من الداخل.

العشائرية من داخلها حملت بعض الآثار الإيجابية، لكن آثارها السلبية طغت على السطح وفي كثير من الأحيان ما تزال تهتك بنية المجتمعات المشرقية، وتؤثر سلباً بشكل أو بآخر على الاتساق الحضرية، وحتى على مركزية السلطات الإدارية والسياسية في بلادنا. نظرة سريعة إلى واقع المجتمع الجزري نجد تزدحم فيه تلك الآثار التي خذلت القيم الحضرية والمدنية.

إن ظاهرة العشائرية ليست جديدة، بل هي من افرازات تواريخنا الاجتماعية القديمة، وبعد النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي كانت ذيلاً لأية سلطة قوية وفي بعض الأحيان سرعان ما تتمرد عليها في حالة شعرت أن هذه السلطة أصابها الوهن وأصبحت ضعيفة في تطبيقها للقانون الرادع.

وهكذا نجد أن ضعف القانون وعدم الشدة هو السبب في انفلات الحالات العشائرية المتمثلة بالقتل والنزاعات التي لا يحمد عقباها.