لكل السوريين

العرقسوس… شراب بنكهةٍ شعبية لدى الحمويِّين

  حماة_ يشكل مشروب العرقسوس جزئية من ذاكرة شعبية واجتماعية لدى الحمويِّين، إذ يعتبر العرقسوس من أقدم وأعرق المشاريب الشعبية، وكان يطلق عليه مشروب الملوك حيث كان يقتصر شربه على الملوك دون العامة في مصر القديمة، فضلاً عن أنه يملك فوائد طبية جمة، حتى أنه ذكر في علاج كثير من الأمراض.

فالعرقسوس شراب له طعم ورائحة خاصتان به، ويكثر شربه في رمضان والصيف، كما وتعتبره شريحة واسعة من الناس شراباً دائماً ويومياً ومن أهم أحد أعمدة سفرة الطعام، ولا تكاد تخلو مائدة إفطار إلا وقد تربع إبريق العرقسوس عليها، والبعض منهم يقوم بإعداده في المنزل قبل فترة الإفطار ويضعه في البراد ليكون جاهزاً وبارداً وقد تعوَّد جميع أفراد الأسرة على تناوله.

في الماضي… كان بائع العرقسوس يعتبر نجم من نجوم شهر رمضان وذلك بما يرتديه من لباس خاص يتميز بسروال أسود واسع وبسترة مزينة مطرزة وطربوش فوق الرأس، وطاسات نحاسية تلمع كالذهب بيده يرن بها رنات محسوبة يلاعبها بأصابعه فتصدر جلاجل ترقص لها قلوب المارة وكان يجوب الشوارع والحارات دون كلل أو ملل وتراه رغم حمله الثقيل مرحا يجيد فن الترويج لبضاعته بمناداته “خمير يا سوس”.

كان السواس يسقي أصحاب المحلات التجارية في شوارع حماة الرئيسية كالمرابط والدباغة وسوق الطويل، ولا يكتفي بأن يسقي صاحب المحل فقط بل وكل الزبائن التي يتصادف تواجدها عنده وكان السواس يعلِّم بطبشور على جانب المحل ويرسم شخطاً رمزا له ليحاسب في نهاية الأسبوع صاحب المحل عن ثمن مشاريب سوسه.

“آل خنفور” في حارة “العلاونة”، من العائلات الحموية الذين كانوا قد اشتهروا بالسوس، كانوا يضعون السوس في أطباق النحاس الكبيرة ويصبون فوقه الماء، فقد كانت الناس تتراكض لعربة السواس خنفور في ساحة العاصي أمام “بوظان” بائع الجرائد لتشتري سطلة سوس وتسرع بها إلى بيوتها لاقتراب موعد مدفع الإفطار.  وكان أيضا من مشاهير باعة السوس “عثمان الأفيوتي” الذي كان يمتاز بصب السوس فترى الكأس أو الطاسة وقد علتها رغوة السوس.

أما الآن وقد دار الزمان.. فقد أصبح السواس ولباسه فلوكلور من التراث الشعبي ورنات طاساته الصفراء غابت، ومات بائع السوس خنفور وعثمان وصار السوس يباع بأكياس النايلون والطعم “أنت وحظك” فالبائع كما يقولون “مشارك الماء”.

 وكانت سطلة السوس بفرنكين، أما اليوم وبعد موجة الغلاء تراوح سعر كيس السوس بين الـ 500 وال 1500 ل.س حسب سعة الكيس.

وأخيراً… يتوارث أبناء مدينة حماة عادات وتقاليد يسترجعونها كل عام مع حلول شهر رمضان المبارك، منها ما بقي مستمراً حتى يومنا هذا ومنها ما ذهبت به عجلة الزمن والأيام ومسايرة الحداثة لتختزنها ذاكرة أبناء مدينة أبي الفداء.

                                                                             حكمت الأسود