لكل السوريين

1 نيسان – رأس السنة السورية 6771 أقدم عيد عرفته البشرية

د. رياض قره فلاح

أستاذ علم المناخ

قسم الجغرافية – جامعة تشرين

يصادف اليوم الأول من نيسان 2021 بداية العام 6771 في التقويم السوري. أو ما يعرف بـ رأس السنة السورية “الآكيتو”، أحد أهم عناصر التراث اللامادي لشعوب المنطقة، مناسبة لا تعلمها النسبة العظمى من سكان بلاد الشام والعراق. حيث يحتفل بهذه المناسبة كلٌّ من الآشوريين والسريانيين والكلدانيين. وأكيتو (بالسومرية: أكيتي سنونم) وهي عند السومريين تعني الحياة وعند الأكاديين تعني الفرح، وبالسريانية اﻵرامية كانت تلفظ (حج) وتعني الاحتفال والفرح، وبالبابلية (ريش شاتيم) أي رأس السنة، وقد وُجد ها العيد عند الشعوب السامية من الآكاديين والأموريين والبابليين والآشوريين والفينيقيين والكلدانيين تحت تأثير مفهوم عقيدة عشتار وتموز.

يرتكز عيد الآكيتو الذي اخترعه السوريون على فكرة جوهرية وهي: “من الموت تولد الحياة، والحياة تنتهي بالموت ضمن دائرة كونية ﻻ منتهية تعرف بالمانداﻻ السورية” التي ترمز لبداية الخليقة وعودة الحياة كما في أسطورة تموز وعشتار، وكيفية غياب الآلهة في العالم السفلي طيلة فصل الشتاء وخروجها في بداية فصل الربيع كمثال لعودة الحياة وبداية الخلق. لذا يرتبط العيد بنهاية موسم المطر والبرد وبدء الخصب مع بداية فصل الربيع ونمو الزرع والزهر والبداية الحقيقية للحياة وخصب الأرض المتمثلة (بشعائر الجنس والزواج المقدس)”ويعتبر أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى. وهو أيضا عيد بداية الربيع.

كان الكلدانيون والسومريون الذين سكنوا وسط وجنوب العراق في الألف الرابع والخامس قبل الميلاد القديم (5300ق.م) يحتفلون برأس السنة مرتين؛ اﻷُولى: نهاية النهاية (خاص بالعالم اﻷسفل) من تشريتو(تشرين) حتى آدارو (آذار)، ، وهو عيد الاعتدال الخريفي وبذر الشعير والحنطة بعد أول مطرة. الثانية: بداية البداية (خاص بعالم الحياة) من نيسانو (نيسان) حتى إلولو (أيلول)، وهو عيد الاعتدال الربيعي واحتفال ببدء وعودة الحياة للطبيعة، وبعد فترة صار الاحتفال مرة واحدة بالسنة (أكيتو). وتطور العيد من احتفال زراعي نصف سنوي إلى عيد وطني سنوي للسنة الجديدة، حيث يحدث هذا العيد في تلك الفترة من السنة التي يكون الليل والنهار في حالة توازنٍ تام مع بعضهما البعض، ويتم اعلان قدوم الاعتدال الربيعي بأول ظهور للقمر الجديد في الربيع وذلك في نهاية آذار أو بداية شهر نيسان، وذلك وِفقاً لدورة القمر السنوية. مما يلقي الضوء على الاعتقادات السائدة في ذلك الوقت والتي تعتبر مشتركة بين الأكاديين والبابيلين والآشوريين والسريانيين، حيث ساد الاعتقاد بأن حركة القمر السنوية ما هي إلا “حركة دائرية مغلقة “، تضمن الطبيعة من خلالها الخلود ومقومات استمرار الحياة، إذ كانت المواضيع الأسطورية والدينية.

“يبدأ الآكيتو بـ 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان عيد رأس السنة، حيث تقدم القرابين والنذور والأضاحي وتسيّر مواكب احتفالية كبيرة، وتقام الألعاب الرياضية والرقصات، وكانت الاحتفالات تستمر من 11 إلى 12 يوم وفي منتصف المدة كانوا يقيمون أفراحهم وأعراسهم ويقوموا بطقوس الزواج المقدس.

كانت الأيام الثلاثة اﻷولى مخصصة لطقوس الحزن والطهارة والعمادة، واليومان الرابع والخامس أيام التكفير وطلب الغفران وتقديم الأضاحي للآلهة، واليومان السادس والسابع للأمل والرجاء، وهذان اليومان أهم أيام الآكيتو، حيث تحدث فيهما تغييرات سياسية وقانونية أي تجديد السلطة والانتخابات، ويقدم الملك تقرير عن أعماله خلاله السنة، ويطلب من الإله الغفران وتجديد السلطان. واليوم الثامن هو يوم القيامة، وهو من أكثر أيام الآكيتو فرحاً، وفيه تمشي مواكب الكهنة وموكب عشتار آلهة الحب والخصب والجنس، وهو إعلان عن بدء طقوس الزواج المقدس وإظهار أهمية الخصوبة والوفرة والإنجاب. واليومان التاسع والعاشر يسير موكب النصر، وتقوم النساء بجمع باقات الورود وسنابل القمح الأخضر وتعليقها في مداخل البيوت ليرحبوا بنيسان الخير. وفي اليومين الأخيرين 11- 12 يكون الختام والذروة باحتفال أعياد الربيع وفيه تتقرر مصائر البشر والمدينة”.

انتقل عيد أكيتو من بابل إلى آشور، ومنها انتقل إلى الكرد والفرس والشعوب الأخرى ليمثل الاحتفال بعيد الربيع كما بقيت الكثير من مدن أوروبا تحتفل بمطلع العام في الأول من نيسان، حيث بدأت هذه العادة في فرنسا بعد تبني التقويم الغريغوري بدل اليولياني (السوري) الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م التقويم ليبدأ العام في 1 يناير، وتبدأ احتفالات الأعياد من 25 كانون الأول وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21اذار  وينتهي في بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة. ، وأطلق الناس على من ظلوا يحتفلون حسب التقويم القديم تعليقات ساخرة لأنهم يصدقون (كذبة نيسان). أي أحمق نيسان وكانت تُطلق هذه العبارة على أي شخص قد نسي أن رأس السنة قد نُقلٓ من 1 نيسان إلى 1 كانون الثاني. ولا توجد حقيقة مؤكدة لأصل هذه العادة.

وكل عام وأنتم وسورية بخير