لكل السوريين

الضغوط المتزايدة مهدت لعادات جديدة في مواجهة الصعاب

عادات وأفكار وتقاليد بدأت تداهم حياتنا اليومية متأثرة بأمور فُرضت على واقع حياتنا ومعيشتنا، فأصبحت تتماشى معنا تلقائياً عبر تنفيذها والتقيّد بها ولو مكرهين، ومن واقع حالنا كأهل للساحل والجبل هناك عادات ورثناها منذ عشرات السنين وهي التجمّعات الليلية والسهرات وفي ذلك الزمن كان هناك انعدام تام للكهرباء في قرانا، فكانت السهرات الصيفية تعقد خارجاً وأمام البيت على المصطبة كما كانت تسمى، حيث أن ضوء القنديل الخافت الخجول أو (اللكس) لم يمنع جرأة الأفاعي من التسلّل بيننا بسلام وأمان والاستماع الجيّد إلى تفاصيل أحاديث مشوقة من مجازفات وأساطير، وخلال سنين قريبة كانت أبسط العائلات تعقد السهرات وليالي السمر حتى ساعات متأخرة من الفجر بمناسبة أو بدونها، سواء كانت عائلية أو شبابية أو جماعية، وأصحاب هذه السهرات على قناعة بأن هذه الأوقات هي ضمن سلم أوقات الراحة المخصّصة للنوم وغير قابلة للتعويض.

 

يقول الأستاذ المتقاعد سليمان: بالمقابل وفي حالتنا الآن وخلال أوقات التقنين الكهربائي فقد فُرض علينا التوقّف عن تلك العادات بحكم قسوة التقنين الكهربائي، فأصبح النوم هو المهرب الوحيد من شبح الظلمة المتحكّمة بواقع الحياة، وبالتالي نلنا من غير قصد قسطاً مقبولاً من الصحة والعافية والراحة وكذلك الإرهاق وهو أقسى أنواع التعب الذي ينهك البدن، كما نلنا مرغمين راحة الأمعاء وعدم الاضطرار إلى تناول الطعام في وقت غير مناسب لفيزيولوجية الغذاء والنوم باسترخاء بعيداً عن شبح المنامات والأحلام والخوف من الكوابيس التي تلاحق من تسوّل له نفسه تناول وجبة متأخرة، كما أن ظروف المعيشة القاسية علّمتنا عادات أخرى وهي الاقتصاد ومحاولة التوفير بكل مقدرات الحياة حتى ولو بأبسط الأمور كالتوفير بمادة الخبز الذي فُرض على عدد أشخاص العائلة، فأصبح رغيف الخبز بالكامل يتم تناوله حتى ولو كان بأسوأ حالاته، بالإضافة إلى ذلك أصبح كل ما يزيد عن أية وجبة يتم استخدامه في وجبة لاحقة، ومن أهم عمليات التوفير التي أصبحت تمارس هي التقيد بالمصروف اليومي الخجول للوصول بأمان إلى النصف الآخر من الشهر عبر التخفيف من شراء المواد غير الضرورية والاكتفاء بما يرضي الحال، والأهم من كل ذلك هو وعود كبيرة وعلى جميع المستويات بأن الوضع والحياة المقبلة ستكون بأفضل حال وعلى جميع فئات المجتمع، وكل ذلك سيكون بشكل مدروس من قبل العارفين بالواقع الحالي للبلاد، وكما هو معلوم فإن الحكومة من رأس هرمها وكل وزاراتها تمارس على مقدراتها أقسى أنواع التقنين والاقتصاد، حيث أن الحرب الكونية وما رافقها من العقوبات الاقتصادية والتجارية آثارها لا زالت قائمة وبحاجة إلى الكثير من التمعن والدراسة، لأن من أعد لهذه الحرب وضع بالحسبان كل ظروف الضغط على أفراد المجتمع من خلال استهداف أهم مقدرات المعيشة وهو المسكن والمأوى وبالتالي انعدام أهم وسائل استمرار الحياة بالتوازي مع وضع قوانين وعقوبات تثقل كاهل دول عظمى حيث كان هدف هذه العقوبات فرض سياسة التجويع وتفريغ البلاد من محتواها السكاني وتشريده ليتم التحكّم به عن بُعد، ومن خلال هذه العقوبات تم فقدان الكثير من مستلزمات البقاء ومنها الأدوية الضرورية في ظل انتشار الأوبئة والأمراض القاتلة، وحرمان المؤسسات والأشخاص من استيراد المواد الغذائية بعد أن تم تدمير معامل البلاد وبناها التحتية الوطنية بمساعدة نفوس داخلية مأجورة متآمرة، ومحاولة ضرب العملة الوطنية من خلال التلاعب بالعملة الصعبة في الأسواق المأجورة، والحديث يطول عن هذه الضغوط والممارسات، لكن والأهم هو إعادة بناء وإعمار ما تهدم سواء بالمسكن أم بالنفوس والمشاعر.