لكل السوريين

حرفة النحاسين.. مهنة تراثيّة تقاومُ الاندثار في حماة

حماة/ حكمت أسود

ما إن يطأ الزائر أولى خطواته في خان رستم باشا الأثري بمدينة حماة ويتجول في سوق المهن اليدوية تجذبه أصوات المطارق وهي تضرب على المعادن لتعزف لحن التراث القديم وتنتقل به إلى عالم آخر من البساطة والعراقة، حيث القطع النحاسية المزخرفة بألوان مختلفة تزيّن المكان.

حيث تعتبر حرفة النحاسين إحدى المهن العتيقة في حماة التي أبدعت أروع التحف والأواني المنزلية لتختزل جانباً مهماً من الجوانب التراثية الشعبية الحموية.

وفي ظلّ تراجع الإقبال على المنتجات النحاسية وتراجع عدد المشتغلين فيها تبقى فئة قليلة من هؤلاء الحرفيين ممن توارثوا المهنة وبقوا مخلصين لها، محاولين إعادتها إلى الحياة من جديد.

والحرفي “ياسين” أحد هؤلاء، فهو يجلس بمحله في وسط السوق يرسم ويخط أجمل النقوش والزخارف بمطرقته الحديدية على النحاس الأحمر مبادراً زواره وعشاق هذه المهنة بابتسامة تغرق تفاصيل وجهه الذي غطتهُ تجاعيد تبرز سنوات عمره الطويلة وهو لا يزال يمارس هذه الحرفة.

إذ إنه ورث عن أبيه هذه المهنة وسيورثها لأبنائه مشيراً إلى أن أنه تعلم تشكيل الأواني النحاسية من مراقبته لوالده ومحاولته المتكررة لإتقان هذه المهنة لما تحمله من أصالة وجمال وروح الماضي، لتخرج قطع فنية غاية في الروعة من تحت يديه وهو الذي يتفنن في أدق التفاصيل.

ويضيف “ياسين”: ” ليس هناك شيء أجمل من أن تبدع شيئاً تصنعه بيدك وتسجله بمشاعر وأحاسيس صادقة فتكون دلالاته إنسانية تراثية فنية عريقة تخبر بالماضي الذي كان وتؤصل لمستقبل مشرق يشع نوراً وبهاء”.

واعتبر الحرفي أن الحفر والنقش على النحاس من أصعب الفنون لما يحتاج من دقة وصبر في العمل موضحاً أن معظم النحاسيات التي يقوم بتصنيعها تدخل في الاستخدام المنزلي كأواني الطبخ والصواني الخاصة بمحال الحلويات إضافة إلى بعض المنتجات الخاصة بالعرض كالصمديات والتحف والسيوف.

ويقول الحرفي الذي مثل سوريا في عدة معارض دولية للأعمال اليدوية أنه ورغم الصعوبات التي ترافق عمل هذه المهنة إلا أنه متمسك بها خوفا عليها من الانقراض، متمنياً حمايتها وإيلاء هذه الحرفة الاهتمام لأنها قديمة ومهددة بالاندثار مشدداً على ضرورة توفير المواد اللازمة لها إضافة إلى دعمها من خلال تأمين محلات للحرفيين بأسعار مخفضة وإيجاد سوق دائم وخاص لعرض منتجاتهم اليدوية والتراثية.

ويبقى لحرفة صناعة الأواني النحاسية جمالياتها وأسرارها التي تسكن قلوب أصحابها الذين آثروا المحافظة عليها وأبقوها رمزاً يجسد عراقة الصناعة السورية منذ القدم.